للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، ثُمَّ إنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْعَرَايَا» ، فَأَطْلَقَ النَّهْيَ، ثُمَّ خَصَّهُ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَهَذَا هُوَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ.

قَالَ: وَبِهِ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي الصَّيْرَفِيَّ - يَذْكُرُ أَنَّ الْمُزَنِيّ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْبَيَانَ يَتَأَخَّرُ، حَتَّى أَخْرَجَ لَنَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَلَامَ الْمُزَنِيّ فِي " الْمَنْثُورِ " أَنَّ الْبَيَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُزَنِيّ كَانَ يَذْهَبُ إلَى مَا قُلْنَا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ خَيْرَانَ، فَرَأَيْت ابْنَ خَيْرَانَ فِيهَا ضَعِيفًا. فَقُلْتُ: لِأَبِي بَكْرٍ: مَقْصِدُنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَعْنَى لَا الِاسْمُ فَإِذَا حَصَلَ الْمَعْنَى فَسَوَاءٌ سَمَّيْته تَأْخِيرَ الْبَيَانِ أَوْ لَمْ تُسَمِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّا. مِثْلُ أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَقُولَ لَنَا: اقْطَعُوا السَّارِقَ، وَيَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَعْضَ، وَلَا يُبَيِّنُهُ فِي الْحَالِ، وَيُبَيِّنُهُ فِي ثَانِيهِ. وَلَا نُسَمِّيهِ تَأْخِيرَ بَيَانٍ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ عَكَسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ، وَمَا يَقَعُ مِنْ الْبَيَانِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالنَّسْخِ وَهُوَ أَنَّ النَّسْخَ سَمَّاهُ النَّاسُ بِهَذَا الِاسْمِ. فَخَبِّرْنِي أَرَادَ اللَّهُ مِنَّا فِي الِابْتِدَاءِ الصَّلَاةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَبَدًا ثُمَّ رَفَعَهُ، أَوْ أَرَادَ مِنَّا فِي الِابْتِدَاءِ إلَى زَمَانٍ؟ فَإِنْ قُلْت: مُؤَبَّدًا، أَخْلَفْت، وَإِنْ قُلْت: مُقَيِّدًا قِيلَ لَك: فَأَيُّ شَيْءٍ نُسِخَ عَنَّا؟ فَإِنْ قُلْت: سُمِّيَ هَذَا نَسْخًا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَمْرٌ ثَانٍ، لِأَنَّهُ انْكَشَفَ عَنَّا مَا لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ لَنَا. قُلْنَا: وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي التَّخْصِيصِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>