قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ سَرَفٌ، لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِعَاقِلٍ التَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ. ثُمَّ اخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالِاسْمِ يَتَضَمَّنُ غَرَضًا مُبْهَمًا، وَلَا يَتَعَيَّنُ انْتِفَاءُ غَيْرِ الْمَذْكُورِ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَنَا أَقُولُ وَرَاءَ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُون مِنْ غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ فِي التَّخْصِيصِ نَفْيُ مَا عَدَا الْمُسَمَّى بِلَقَبِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقُولُ: رَأَيْت زَيْدًا، وَهُوَ يُرِيدُ الْإِشْعَارَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ غَيْرَهُ. فَإِنْ هُوَ أَرَادَ ذَلِكَ قَالَ: إنَّمَا رَأَيْت زَيْدًا، وَمَا رَأَيْت إلَّا زَيْدًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِاللَّقَبِ يَتَضَمَّنُ غَرَضًا مُبْهَمًا، وَلَا يَتَضَمَّنُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ. وَالدَّقَّاقُ يَقُولُ: يَتَضَمَّنُ غَرَضًا مُعَيَّنًا. وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ " أَنَّهُ حُجَّةٌ مَعَ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. قَالَ: وَلِهَذَا رَدَدْنَا عَلَى ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي تَعْلِيلِهِ تَخْصِيصَ الْأَرْبَعَةِ فِي الرِّبَا بِالذِّكْرِ، حَيْثُ عَلَّلَ الرِّبَا بِالْمَالِيَّةِ الْعَامَّةِ، إنْ قُلْنَا: لَمْ تَكُنْ الْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ غَالِبَ مَا يُعَامَلُ بِهِ، وَكَانَ [الْحِجَازُ مَصَبَّ التُّجَّارِ] فِي الْأَعْصَارِ الْخَالِيَةِ، فَلَوْ ارْتَبَطَ الْحُكْمُ بِالْمَالِيَّةِ لَكَانَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهَا أَسْهَلَ مِنْ التَّخْصِيصِ، كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» فَكَانَ هَذَا مَأْخُوذًا مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَعَ التَّخْصِيصِ بِاللَّقَبِ. وَهَاهُنَا أُمُورٌ مُهِمَّةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ فِي كِتَابِهِ " شَرْحِ التَّرْتِيبِ ": إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيَّ أَلْزَمَ الدَّقَّاقَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ فَالْتَزَمَهُ.
قَالَ: وَكُنَّا نُكَلِّمُهُ فِي هَذَا فِي الدَّرْسِ، فَأَلْزَمْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ: صُمْ، يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute