وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَدْ اعْتَرَضَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الْمَاءِ فِي النَّجَاسَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: (اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ) بِأَنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ بِلَقَبٍ، وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. فَيُقَالُ عَلَيْهِ: مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لِضَرُورَةِ الِامْتِثَالِ، وَلَا نَظَرَ هُنَا لِكَوْنِهِ لَقَبًا أَوْ صِفَةً، وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ، وَهُوَ الدَّمُ مَثَلًا. فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّمِ يَجُوزُ غَسْلُهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ، عَمَلًا بِالْمَفْهُومِ، لِأَنَّ الدَّمَ لَقَبٌ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ. اهـ.
وَقَالَ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِي " الذَّرِيعَةِ ": احْتَجُّوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَا يُطَهِّرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] . فَنَقُولُ: الْحُكْمُ غَيْرُ الْمَاءِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْمِ لَا بِالصِّفَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَنْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا إنَّمَا عُوِّلَ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ يَجْرِي فِيهَا مَجْرَى الصِّفَةِ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ الْمَاءُ، يُخَالِفُ اتِّصَافَهُ، فَأُجْرِيَ مَجْرَى كَوْنِ الْإِبِلِ سَائِمَةً أَوْ عَامِلَةً. وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيلِ، فَإِنْ وُجِدَ كَانَ حُجَّةً، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: (إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا) يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِإِذْنِهِ، لِأَجْلِ تَخْصِيصِ النَّهْيِ بِالْخُرُوجِ لِلْمَسَاجِدِ، فَيَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ جَوَازُ الْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ، لِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُنَا مَوْجُودٌ؛ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ فِيهِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ وَهُوَ مَحَلُّ الْعِبَادَةِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ التَّعَبُّدِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute