وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسِخَ إذَا كَانَ مَعَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَسُلَيْمٌ، وَغَيْرُهُ وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَبْلَ تَبْلِيغِهِ إلَيْنَا، هَلْ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا، حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَسُلَيْمٌ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعِدَّةِ " وَغَيْرُهُمْ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ، وَاخْتَارَ الثُّبُوتَ. وَقَالَ سُلَيْمٌ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " التَّبْصِرَةِ ". وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": إنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَنَصَرَهُ.
وَنُقِلَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْنَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَجَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ، وَنَسَبَهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " لِلْجُمْهُورِ. وَقَالَ: وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسْخُ شَرَطُوا فِيهِ الْبَلَاغَ، فَوَجَبَ كَوْنُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا. اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُتَمَكِّنُ وَهُوَ [الثَّابِتُ] فِي حَقِّهِ. وَالثَّانِي: غَيْرُ الْمُتَمَكِّنِ وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ لَا بِمَعْنَى الِامْتِثَالِ، وَلَا بِمَعْنَى ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَثْبُتُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي كَالنَّائِمِ، وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ إلَى ثُبُوتِهِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": إنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَوْ قُدِّرَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّاسِخُ أَقْدَمَ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ يَكُونُ ذَلِكَ خَطَأً مِنْهُ، بَيْدَ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَيُعْذَرُ لِجَهْلِهِ. اهـ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ الْأُسْتَاذَ أَبَا مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيَّ قَالَ: إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَصِحُّ عَمَلُهُ بِالْمَنْسُوخِ إلَى وَقْتِ عِلْمِهِ بِالنَّسْخِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَحْسُنُ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute