بِالْقِيَاسِ أَوْ بِاللَّفْظِ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عُلِمَ بِالْقِيَاسِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمِ الْعِشْرِينَ، وَإِنَّمَا قِسْنَاهُ عَلَى حُكْمِ الْمِئَتَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عُلِمَ بِاللَّفْظِ. اهـ. وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ أَوْ لَا: أَنَّ دَلَالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ أَوْ عَقْلِيَّةٌ الْتِزَامِيَّةٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَفْظِيَّةٌ جَازَ نَسْخُهَا، وَالنَّسْخُ بِهَا كَالْمَنْطُوقِ، وَإِنْ كَانَتْ عَقْلِيَّةً، كَانَتْ قِيَاسًا جَلِيًّا، وَالْقِيَاسُ لَا يُنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ مَنْسُوخًا، فَتَارَةً يَتَوَجَّهُ النَّسْخُ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ اللَّفْظِ، وَتَارَةً يَتَوَجَّهُ إلَى اللَّفْظِ، فَإِنْ تَوَجَّهَ إلَى اللَّفْظِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَيَكُونُ نَسْخًا لِلْفَحْوَى عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي، وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَى الْفَحْوَى فَقَطْ، وَحُكْمُ اللَّفْظِ بَاقٍ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى قَوْلَيْنِ، حَكَاهُمَا ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ: أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَالنَّصَّيْنِ، يَجُوزُ نَسْخُ أَحَدِهِمَا مَعَ بَقَاءِ الْآخَرِ. وَنَقَلَهُ سُلَيْمٌ عَنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، قَالَ: بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّفْظِ، فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ لَفْظَيْنِ، فَجَازَ نَسْخُ أَحَدِهِمَا مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الْآخَرِ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ، قَالَ: لِأَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعُمُومُ مِنْ الْمُشْتَبِهَاتِ، وَنَسْخُ بَعْضِ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ بَعْضٍ سَائِغٌ. قَالَ: وَيُفَارِقُ الْقِيَاسُ حَيْثُ يَمْتَنِعُ نَسْخُهُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ، لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَصْلِ صِحَّةُ الْفَرْعِ، فَمَا دَامَ الْأَصْلُ بَاقِيًا وَجَبَتْ صِحَّتُهُ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَصَحَّحَهُ سُلَيْمٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ نُطْقِهِ مُوجِبٌ لِفَحْوَاهُ وَمَفْهُومِهِ، فَلَمْ يَجُزْ نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ بَقَاءِ مُوجِبِهِ كَمَا لَا يُنْسَخُ الْقِيَاسُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": فَأَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute