للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَأَيْته فِي " التَّقْرِيبِ " لِلْقَاضِي، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأُمُورٍ، ثُمَّ شَرَطَ الْقَاضِي لِكَوْنِهَا نَسْخًا إذَا غَيَّرَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلَمَ وُرُودُهَا بَعْدَ اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْغَرَضِ عَارِيًّا مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ.

وَحَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ فَهُوَ نَسْخٌ، كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ رَابِعَةٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ انْفَصَلَتْ لَمْ يَكُنْ، كَضَمِّ التَّغْرِيبِ إلَى الْجَلْدِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ.

وَالْخَامِسُ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُغَيِّرَةً حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَتْ نَسْخًا. وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ حُكْمَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ كَانَتْ مُقَارِنَةً لَهُ لَمْ تَكُنْ نَسْخًا، فَزِيَادَةُ التَّغْرِيبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْجَلْدِ نَسْخٌ، وَكَذَا لَوْ زِيدَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ عِشْرُونَ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي لَا تَسْقُطُ مِنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَكَوُجُوبِ سَتْرِ الْفَخِذِ، ثُمَّ يَجِبُ سَتْرُ بَعْضِ الرُّكْبَةِ، فَلَا يَكُونُ وُجُوبُ سَتْرِ بَعْضِهَا نَسْخًا، حَكَاهُ ابْنُ فُورَكٍ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ ": وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ.

وَالسَّادِسُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ رَفَعَتْ حُكْمًا عَقْلِيًّا، أَوْ مَا ثَبَتَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ كَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لَمْ تَكُنْ نَسْخًا، لِأَنَّا لَا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ الْأَحْكَامَ، وَمَنْ يَعْتَقِدُ إيجَابَهُ لَا يَعْتَقِدُ رَفْعَهَا نَسْخًا، وَإِنْ تَضَمَّنَتْ رَفْعَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ تَكُونُ نَسْخًا، كَقَوْلِهِ: «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَفَحْوَاهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ، فَلَوْ وَرَدَ خَبَرٌ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ كَانَ نَاسِخًا لِهَذِهِ الْفَحْوَى، لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>