أَنَّهُ لَا أَقِيسُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ، وَالْمُخَالِفُ يُسَلِّمُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: دَلِيلُ السَّمْعِ دَلَّ عَلَيْهِ، فَيَرْجِعُ النِّزَاعُ إلَى دَلِيلِ السَّمْعِ، إذَنْ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ، وَالْأَلْفَاظُ دَلَّتْ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ، وَتَهْدِيدُ تَارِكِ التَّأَسِّي بِهِ وَالِاتِّبَاعِ لَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَسُلَيْمٌ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَالْقَفَّالِ الْكَبِيرِ. فَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ الْقَفَّالِ فَصَحِيحٌ، فَقَدْ رَأَيْته فِي كِتَابِهِ، وَعِبَارَتُهُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَنَا أُسْوَةٌ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِهِ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَأَمَّا الصَّيْرَفِيُّ فَسَيَأْتِي عَنْهُ الْوَقْفُ، وَنَسَبَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَأَطْنَبَ أَبُو شَامَةَ فِي نُصْرَتِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَلَا يُفِيدُ إلَّا ارْتِفَاعَ الْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. وَنَقَلَهُ الدَّبُوسِيُّ فِي " التَّقْوِيمِ " عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيَّ، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ "، وَأَطْنَبَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَوَّلِينَ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَيْسَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَنَسَبُوهُ إلَى الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ، فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ: وَلَا أَدْرِي أَفَرْضٌ أَوْ تَطَوُّعٌ؟ وَلَا أَدْرِي الْفَرِيضَةُ تُجْزِئُ عَنْهَا أَمْ لَا؟ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ إنْ صَلَّاهُمَا أَنَّ عَلَيْنَا صَلَاتَهُمَا، وَإِنَّمَا مَنَعَنَا مِنْ إيجَابِهِمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّوَافَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَيْرُ وَاجِبٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute