قَالَ: وَذَكَرَ أَيْضًا فِي الْأَمْرِ قَوْلَ عَائِشَةَ: «فَعَلْت أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ، اغْتَسَلْنَا» وقَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْجِمَاعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ. وَلَمْ يَعُدْ إلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، بَلْ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] وَبِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى إيجَابِ الْمَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ، فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ، فَلَوْ كَانَ فِعْلُهُ عِنْدَهُ وَاجِبًا لَكَانَ أَوْلَى مَا يَحْتَجُّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: وَالْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ أَوَّلُوا هَذَا إلَى قَوْلِهِمْ. اهـ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ عَلَى الْوَقْفِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الْوَقْفِ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ الصَّيْرَفِيُّ كَمَا رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كِتَابِهِ " الدَّلَائِلِ "، وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ. قَالَ: وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الدَّقَّاقُ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ، وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَكَذَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ "، وَنَقَلَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ ابْنُ كَجٍّ وَالدَّقَّاقُ وَالسُّرَيْجِيُّ قَالَ: وَقَالُوا: لَا نَدْرِي إنَّهُ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدَبِ أَوَلِلْإِبَاحَةِ؛ لِاحْتِمَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ. وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ. وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ الْمَذْهَبِ، إلَّا أَنَّهُ أَقْيَسُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِلْوَقْفِ فِي أَفْعَالِهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا الْوَقْفُ فِي تَعْدِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute