فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَنْقَسِمُ الْقَوْلُ إلَيْهَا مِنْ كَوْنِهِ عَامًّا لَنَا وَلَهُ، أَوْ خَاصًّا بِهِ، أَوْ خَاصًّا بِنَا، فَيَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا، وَالْمَجْهُولُ الْحَالِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ ثَلَاثَةٌ أُخْرَى بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ الْقَوْلِ وَخُصُوصِهِ أَيْضًا. وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ فِي الْإِحْكَامِ انْقِسَامَ الْفِعْلِ إلَى الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرِهِ وَتَأَسِّي الْأُمَّةِ أَوْ لَا، أَوْ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ دُونَ التَّأَسِّي أَوْ عَكْسُهُ، فَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَضَرَبْتَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ صُورَةً فِي الْأَرْبَعَةِ حَصَلَ سِتُّونَ، وَقَدْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ السِّتِّينَ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِينَ، وَقَدْ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُطْلَقًا، وَوَرَدَ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْعُمُومِ، كَنَهْيِهِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ صَلَاتُهُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا قَضَاءً لِسُنَّةِ الظُّهْرِ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَنَهْيِهِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ، فَفِي مِثْلِ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِفِعْلِهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا، وَجَعَلُوا الْفِعْلَ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي خُصِّصَ بِهَا الْعُمُومُ، وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ أَوْ تَأَخَّرَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ، وَبُنِيَ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: إنْ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ دَلَّ الْقَوْلُ عَلَى نَسْخِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِدُخُولِ الْمُخَاطَبِ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ، وَلَيْسَ بِنَسْخٍ عِنْدَ الْمَانِعِينَ لَهُ. وَالثَّانِي: جَعْلُ الْفِعْلِ خَاصًّا بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِمْضَاءُ الْقَوْلِ عَلَى عُمُومِهِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: وَنَسَبَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَعَلَى جَعْلِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَرَنَ حَجًّا إلَى عُمْرَةٍ فَلْيَطُفْ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» أَوْلَى مِمَّا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَافَ طَوَافَيْنِ، لَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ قَوْلًا، وَالثَّانِي: حِكَايَةَ فِعْلٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute