وَكَانَ الْغَلَطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إمَّا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ الْوُجُوبَ مَعَ التَّخْيِيرِ لَا يَجْتَمِعَانِ، أَوْ مِنْ النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ بِأَنْ وَافَقُوهُمْ عَلَى عِبَارَةٍ مُوهِمَةٍ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي كِتَابِ الْإِفَادَةِ " عَنْهُمْ: أَنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَدَلِ.
وَقَدْ حَرَّرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ يُقَالُ عَلَى الْمُتَوَاطِئِ، كَالرَّجُلِ وَلَا إبْهَامَ فِيهِ، وَأَنَّ حَقِيقَتَهُ مَعْلُومَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَقَائِقِ وَيُقَالُ عَلَى الْمُبْهَمِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ، كَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُقْصَدْ فِيهِ إلَّا الْحَقِيقَةُ الَّتِي هِيَ مُسَمَّى الرُّجُولِيَّةِ.
وَالثَّانِي فِيهِ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى مُبْهَمًا؛ لِأَنَّهُ انْبَهَمَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِهِ كَالْأَمْرِ بِالْإِعْتَاقِ، فَإِنَّ مُسَمَّى الْإِعْتَاقِ وَمُسَمَّى الرَّقَبَةِ مُتَوَاطِئٌ كَالرَّجُلِ. فَلَا تَعَلُّقَ لِلْأَمْرِ بِالْخُصُوصِيَّاتِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَلَا عَلَى التَّخْيِيرِ. فَلَا يُقَالُ فِيهِ: وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ، وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُخَيَّرِ، وَأَكْثَرُ أَوَامِرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ. وَالثَّانِي مُتَعَلَّقُ الْخُصُوصِيَّاتِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَسُمِّيَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ. قَالَ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَزْوِيجَ أَحَدِ الْخَاطِبَيْنِ، وَإِعْتَاقَ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَذَا نَصْبُ أَحَدِ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِمَامَةِ إذَا شَغَرَ الْوَقْتُ عَنْ إمَامٍ. الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ فِيهِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْخُصُوصِيَّاتِ، وَإِنَّمَا مِثَالُهُ أَهْلُ الشُّورَى الَّذِينَ جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ فِيهِمْ؛ لِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِأَعْيَانِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute