للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، هَلْ الْعَامَّةُ مَقْصُودَةٌ؟ وَجْهَانِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ جَمِيعَ الْمَعْصُومِينَ فِي الْإِجْمَاعِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكْفُرُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ بِجُحُودِ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ، وَفَصَّلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ، وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهَا الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ فَكَافِرٌ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ فَلَا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لَا نَصَّ فِيهِ، فَفِي الْحُكْمِ بِتَكْفِيرِهِ خِلَافٌ، وَصَحَّحَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ فِيهِ الْقَوْلَ بِالتَّكْفِيرِ. وَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ مِنْ التَّكْفِيرِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ خِلَافٌ، أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ، فَقَالَ: مَنْ اسْتَحَلَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَفَرَ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْمُسْتَحِلِّ فَقَالَ: كَيْفَ يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ رَدَّ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَنُضَلِّلُهُ. وَأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ ثَابِتٌ فِي الشَّرْعِ، ثُمَّ حَلَّلَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ رَادًّا لِلشَّرْعِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَوْضَحُ فَلْيُحَرَّرْ. مِثْلُهُ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ، أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ. اهـ.

وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ ": أَنَّ مِنْ اعْتَرَفَ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَقَرَّ بِصِدْقِ الْمُجْمِعِينَ فِي النَّقْلِ ثُمَّ أَنْكَرَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، كَانَ هَذَا التَّكْذِيبُ آيِلًا إلَى تَكْذِيبِ الشَّارِعِ وَمَنْ كَذَّبَ الشَّارِعَ كَفَرَ. وَالْقَوْلُ الضَّابِطُ فِيهِ: أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ طَرِيقًا فِي ثُبُوتِ الشَّرْعِ لَمْ يَكْفُرْ، وَمَنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مِنْ الشَّرْعِ ثُمَّ جَحَدَهُ، كَانَ مُنْكِرًا لِلشَّرْعِ. وَإِنْكَارُ بَعْضِهِ كَإِنْكَارِ كُلِّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>