للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْدَاهَا: إذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِأَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ بِعَيْنِهِمْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ، هَلْ يَصِيرُ إجْمَاعًا مُتَّبَعًا أَمْ لَا؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فِي الْإِجْمَاعِ، فَإِنْ اشْتَرَطْنَاهُ جَازَ وُقُوعُهُ قَطْعًا، وَكَانَ حُجَّةً، إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوهِمُ تَعَارُضَ الْإِجْمَاعَيْنِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ؛ وَلِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَفِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَوْلَى. وَالشَّرْطُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ: أَنْ يَرْجِعَ الْجَمِيعُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْقَرِضَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ، فَفِيهِ مَذَاهِبُ. أَحَدُهَا: الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلٍ، ثُمَّ رَجَعُوا بِأَسْرِهِمْ، وَلِتَنَاقُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ " عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعِ ". وَالثَّانِي: عَكْسُهُ، وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَالرَّازِيَّ. وَالثَّالِثُ: الْجَوَازُ فِيمَا دَلِيلُ خِلَافِهِ الْإِمَارَةُ وَالِاجْتِهَادُ، دُونَ مَا دَلِيلُ خِلَافِهِ الْقَاطِعُ عَقْلِيًّا كَانَ أَوْ نَقْلِيًّا. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ ": إنْ كَانَ الْخِلَافُ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّأْثِيمُ وَالتَّضْلِيلُ، جَازَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فِي الْفُرُوعِ جَازَ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْزِمُوا مَعَهُ بِتَحْرِيمِ الذَّهَابِ إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى كَوْنِ أَحَدِ الْإِجْمَاعَيْنِ خَطَأً. وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَالَهُ قَطْعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>