للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرَّابِعُ: يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الِانْقِرَاضِ: إنْ قَرُبَ عَهْدُ الْمُخْتَلِفِينَ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلٍ فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَإِنْ تَمَادَى الْخِلَافُ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، ثُمَّ اتَّفَقُوا فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، وَالْمُخْتَارُ: أَنَّهُ يَجُوزُ وُقُوعُهُ، وَأَنَّهُ حُجَّةٌ.

وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ إجْمَاعَ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِهِ، فَإِنَّهُمَا جَزَمَا بِالْجَوَازِ، وَقَالَا: يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، ثُمَّ قَالَا: وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ آكَدُ مِنْ إجْمَاعٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِ الْحَقِّ بَعْدَ الْتِبَاسِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُقْتَرِنٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ هَاهُنَا عَنْ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّا إذَا لَمْ نَشْتَرِطْ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا، لِتَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهَا الْغَزَالِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِجْمَاعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ، ثُمَّ الِاتِّفَاقُ الثَّانِي قَدْ مَنَعَ الْخِلَافَ، فَقَدْ تَنَاقَصَ الْإِجْمَاعَانِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاتِّفَاقُ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي. فَإِنَّ الْمُخَالِفِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ تِلْكَ، وَقَدْ رَأَى أَنَّ الْمُخَلِّصَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمُ بِإِحَالَةِ وُقُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلتَّنَاقُضِ الْمَذْكُورِ.

وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُحَالٍ، فَقَدْ وَقَعَ فِي قَضِيَّةِ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَيْهَا، فَكَانَ إجْمَاعًا صَحِيحًا، وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>