اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ بَلْ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ، ثُمَّ لَمَّا تَمَّ وَتَبَيَّنَ أَجْمَعُوا، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ، وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ بَحْثًا مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. إذَا عُرِفَ هَذَا، فَلَوْ اخْتَلَفُوا ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، أَوْ ارْتَدَّتْ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - وَبَقِيَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى عَلَى قَوْلِهَا، فَهَلْ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْبَاقِينَ إجْمَاعًا وَحُجَّةً، فَقَوْلَانِ، حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَاخْتَارَ الرَّازِيَّ، وَالْهِنْدِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، لَا بِالْمَوْتِ وَالْكُفْرِ، بَلْ عِنْدَهُمَا لِكَوْنِهِ قَوْلَ كُلِّ الْأُمَّةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْكَلَامِ عَلَى اتِّفَاقِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَحَكَى عَنْ الْآخَرِينَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا، وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ نَحْوَهُ. قُلْت: وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " قَالَ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي حُكْمِ الْبَاقِي الْمَوْجُودِ، وَالْبَاقُونَ مِنْ مُخَالِفِيهِ هُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهَا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى ": إنَّهُ الرَّاجِحُ، وَجَزَمَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ عِيَارِ الْجَدَلِ "، وَكَذَا الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي "، قَالَ: لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْأُمَّةِ. وَنَقَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ السُّهَيْلِيُّ فِي أَدَبِ الْجَدَلِ " الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ - وَهُوَ أَقْوَى الطُّرُقِ -: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَقِيلَ: يَصِيرُ إجْمَاعًا، وَفِيهِ قَوْلَانِ: فَإِنْ قُلْنَا: يَصِيرُ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ ثَمَّ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ خِلَافَ مَنْ مَاتَ لَا يَنْقَطِعُ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ، إنْ لَمْ يُسَوِّغُوا فِيهِ الِاخْتِلَافَ صَارَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُتَمَسِّكَةَ بِالْحَقِّ لَا يَخْلُو مِنْهَا زَمَانٌ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute