للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدَتْ بِبُطْلَانِ قَوْلِ الْمُنْقَرِضَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا حَقًّا، وَإِنْ سَوَّغُوا فِيهِ الِاجْتِهَادَ لَمْ يَصِرْ إجْمَاعًا لِإِجْمَاعِ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ. قَالَ: وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كَانَ طَرِيقُهُ اجْتِهَادَ الرَّأْيِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمُوتَ بَعْضُهُمْ وَيَرْجِعَ مَنْ بَقِيَ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْعَصْرِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلَى ثَمَانِينَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَلَمْ يَجْعَلُوا الْمَسْأَلَةَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ، وَقَدْ مَاتَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، الثَّالِثَةُ: أَنْ يَنْقَرِضُوا عَلَى خِلَافِهِمْ، فَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، بَلْ جَوَازُ تَقْلِيدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ إجْمَاعٌ مُبِينٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظْهَرَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَهَلْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِ ذَيْنِك الْقَوْلَيْنِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ السُّهَيْلِيُّ فِي أَدَبِ الْجَدَلِ ".

وَأَصَحُّهُمَا امْتِنَاعُهُ، وَكَأَنَّهُ حَاضِرٌ، وَلَيْسَ مَوْتُهُ مَسْقَطًا لِقَوْلِهِ، فَيَبْقَى الِاجْتِهَادُ، وَلَا يَخْرُجُ الْخِلَافُ، وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَنَصَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْهُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ. وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>