وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَائِزٌ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ، مِنْهُمْ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَالْكَرْخِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي قَاضٍ حَكَمَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا: إنِّي أُبْطِلُ قَضَاءَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانَتْ اخْتَلَفَتْ فِيهَا، ثُمَّ أَجْمَعَ بَعْدَ ذَلِكَ قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَفُقَهَاؤُهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تُبَاعُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ بْنِ خَيْرَانَ، وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُمَا الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصْوَبُ، وَاخْتَارَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالرَّازِيَّ، وَأَتْبَاعُهُ. وَنَقَلَهُ إلْكِيَا عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَابْنِهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ، إنْ كَانَ خِلَافًا يُؤَثِّمُ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَانَ إجْمَاعًا، وَإِلَّا فَلَا. التَّفْرِيعُ: إنْ قُلْنَا بِالِامْتِنَاعِ، فَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: يَكُونُ مَنْزِلَةُ الْمُجْمِعِينَ مِنْ التَّابِعِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ وَافَقَ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ، وَلِلنَّاسِ أَنْ يَنْظُرُوا أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ أَصْوَبَ وَلَا يَسْقُطُ النَّظَرُ أَبَدًا مَعَ وُجُودِ الْمُخَالِفِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: هُوَ حُجَّةٌ، يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً، وَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ حُجَّةً. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِهَؤُلَاءِ مَزِيَّةٌ عَلَى أُولَئِكَ. ثُمَّ قَرَّرَهُ بِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ هَلْ يَرَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَصَحُّ لِانْفِرَادِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute