قَالَ إنَّ الشَّيْءَ إذَا تَقَدَّمَتْ إبَاحَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَاحْتَاجَ إلَى الْعِبْرَةِ اُعْتُبِرَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَنَصَّ عَلَى إيجَابِ النَّفَقَاتِ لِلْأَزْوَاجِ وَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ بِنَظَائِرِهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَهُ الْقِيَاسِيُّونَ: إنَّ الْقِيَاسَ لَا يُوجِبُ ابْتِدَاءَ الْحِكَمِ وَوَضْعَهَا، فَإِذَا وُضِعَتْ الْأُصُولُ وَاحْتِيجَ إلَى تَمْيِيزِهَا وَالتَّنْفِيذِ لِلْحُكْمِ اُسْتُدِلَّ بِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا ذَكَرَ هَذَا الرَّجُلُ فِي النَّفَقَاتِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: النَّافِي لِلْقِيَاسِ قَائِلٌ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَمِنْهُ رَجْمُ الزَّانِي قِيَاسًا عَلَى مَاعِزٍ، وَإِرَاقَةُ الزَّبَدِ الْمُتَنَجِّسِ قِيَاسًا عَلَى السَّمْنِ، وَجَوَازُ الْخَرْصِ وَالْمُسَاقَاةِ قِيَاسًا عَلَى الْكَرْمِ، وَمَنْعُ التَّضْحِيَةِ بِالْعَمْيَاءِ قِيَاسًا عَلَى الْعَوْرَاءِ، وَأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ مَكْرُوهٌ قِيَاسًا عَلَى الْغَضَبِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ " جَامِعِ الْعِلْمِ ": وَدَاوُد وَإِنْ أَنْكَرَ الْقِيَاسَ فَقَدْ قَالَ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَقَدْ جَعَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي " أَدَبِ الْجَدَلِ " لَهُ: كُلُّ مَنْ مَنَعَ كَوْنَ الْقِيَاسِ حُجَّةً فَإِنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِهِ ثُمَّ يُسَمِّيهِ بِاسْمِ الِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ أَوْ الِاجْتِهَادِ أَوْ دَلِيلِ الشَّرْعِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّظَّامَ إنَّمَا أَنْكَرَ الْقِيَاسَ فِي شَرِيعَتِنَا خَاصَّةً، وَلَمْ يُنْكِرْ الْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ وَلَا الشَّرْعِيَّ السَّالِفَ. ثُمَّ الْمُنْكِرُونَ لِلْقِيَاسِ اخْتَلَفُوا فِي طَرِيقِ نَفْيِهِ: فَقِيلَ: يُنْفَى بِالْعَقْلِ وَحْدَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقِيلَ: إنَّ الْخَوْضَ فِيهِ قَبِيحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute