لِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَصْطَلِحَ لِعِبَادِهِ فَيَنُصُّ عَلَى الْأَحْكَامِ كُلِّهَا، حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ طَرِيقُهَا الْمَصَالِحُ وَلَا يَعْرِفُ الْمَصَالِحَ إلَّا صَاحِبُ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا إلَّا مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عَلَى وُجُوهٍ لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهَا قِيَاسًا، كَتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ، وَإِيجَابِهِ الْقَسَامَةَ بِاللَّوْثِ، وَالْحُكْمَ بِالشُّفْعَةِ، وَالْفَرْقَ بَيْنَ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَجَمَعَتْ الشَّرِيعَةُ بَيْنَ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ، وَفَرَّقَتْ بَيْنَ أَشْيَاءَ مُتَّفِقَةٍ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الْقِيَاسُ، وَلَا وَجْهَ إلَّا امْتِنَاعُ النَّصِّ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَعَارِفَ ضَرُورِيَّةٌ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ. وَقِيلَ: لِأَنَّ التَّعَبُّدَ بِالشَّرْعِيَّاتِ حَصَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِحُّ مَعَهُ الْقِيَاسُ فَلَوْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِهِ صَحَّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَدْنَى طُرُقِ الْبَيَانِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَعْلَاهَا، وَلَا يُعَلِّقُ عِبَادَتَهُ بِالظَّنِّ الَّذِي يُخْطِئُ دُونَ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ فِي الْأَحْكَامِ، وَحَكَاهُمَا ابْنُ فُورَكٍ، وَقِيلَ لِضَعْفِ الْبَيَانِ الْحَاصِلِ بِهِ، حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ.
وَقِيلَ: بَلْ يُنْفَى بِالشَّرْعِ، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، لَكِنَّ الشَّرْعَ مَنَعَ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ دَاوُد. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: إنَّهُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الظَّاهِرِيَّةِ كَدَاوُد وَالْقَاشَانِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ النِّهْرَوَانِيِّ ثُمَّ إنَّ الْقَاشَانِيَّ وَالنَّهْرَوَانِيّ نَاقَضَا، فَقَالَ الْقَاشَانِيُّ: " كُلُّ حُكْمٍ وَقَعَ. . . " وَنَقَلَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَعَنْ صَاحِبِهِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ وَالنَّظَّامُ فَأَسْرَفَا، فَقَالَ دَاوُد: لَوْ قِيلَ لَنَا حَرُمَ السُّكَّرُ لِأَنَّهُ حُلْوٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ حُلْوٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute