للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ. وَالْفِرَقُ الْمُبْطِلَةُ ثَلَاثَةٌ: الْمُحِيلَةُ لَهُ عَقْلًا، وَالْمُوجِبَةُ لَهُ عَقْلًا، وَالْحَاظِرَةُ لَهُ شَرْعًا.

قُلْت: وَالْمَانِعُونَ لَهُ سَمْعًا افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ:

فِرْقَةٌ قَالَتْ: نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ وَفَتْ وَأَثْبَتَتْ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حَزْمٍ.

وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: بَلْ حَرُمَ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ. وَلَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ الظَّاهِرِيُّ مِنْ أَنَّ النُّصُوصَ وَافِيَةٌ بِحُكْمِ الْحَوَادِثِ لِمَا افْتَقَرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحَوَادِثِ إلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَأَدِلَّةِ الْعَقْلِ.

وَقَالَ الدَّبُوسِيُّ: نُفَاةُ الْقِيَاسِ أَرْبَعَةٌ: مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى دَلِيلَ الْعَقْلِ حُجَّةً وَالْقِيَاسُ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً إلَّا فِي مُوجِبَاتِ الْعُقُولِ وَالْقِيَاسُ لَيْسَ مِنْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً فِيهَا إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّا نَحْكُمُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ بِاسْتِصْحَابِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حُجَّةٌ أَصْلِيَّةٌ لَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ. وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى قَوْلٍ غَرِيبٍ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ غَيْرُهُ فِيمَا أَظُنُّ وَهُوَ أَنَّ التَّعَبُّدَ بِالْقِيَاسِ كَانَ جَائِزًا قَبْلَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وقَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَهُوَ بِدَعٌ مِنْ الْقَوْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>