عِلَّةٌ أُخْرَى تُوجِبُ التَّحْلِيلَ بِهَا خَمْسَةُ أَوْصَافٍ، وَعِلَّةٌ تُوجِبُ التَّحْرِيمَ بِهَا خَمْسَةُ أَوْصَافٍ فَيُوجَدُ فِيهَا مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ الْمُبِيحَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُحَرِّمَةِ فَيُلْحَقُ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّعْلِيلِ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ شَبَهًا. فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ تَسَاوَى الْجَرَيَانُ فِي الْأَصْلَيْنِ وَتَسَاوَتْ الْأَوْصَافُ؟ قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا: يَتَوَقَّفُ فِيهِ لِأَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا أَشْبَهُ مِنْ الْأَوَّلِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةً فَتَتَّحِدُ بِهَا فَتَقُومُ الدَّلَالَةُ عَلَى إلْحَاقِهَا بِأَحَدِ الْأُصُولِ هُوَ الْأَشْبَاهُ. انْتَهَى.
وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرُ " قِيَاسُ عِلَّةِ الْأَشْبَاهِ " فَقِيلَ هُوَ قَسِيمُ " قِيَاسُ الْعِلَّةِ " وَقِيلَ هُوَ " قِيَاسُ الْعِلَّةِ " إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ كَثْرَةَ الْأَشْبَاهِ تَرْجِيحًا لِلْعِلَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ: وَحَكَى أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سُرَيْجٍ كَانَ يَقُولُ: إنَّ غَلَبَةَ الْأَشْبَاهِ هِيَ الْعِلَّةُ وَإِنَّ الْأَشْبَاهَ ثَلَاثَةٌ مَا حُكِمَ فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَهُ وَصْفَانِ، وَمَا حُكِمَ فِيهِ بِالتَّحْلِيلِ وَلَهُ وَصْفٌ وَاحِدٌ وَوَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِشَيْءٍ. قَالَ: فَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا كَانَ رَدُّهُ إلَى أَشْبَهِهِمَا أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إلَى أَبْعَدِهِمَا مِنْهُ فِي الشَّبَهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ عِلَّةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ رَدَّهَا إلَى مَا هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إلَى مَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَنْكَرَ الْقِيَاسَ عَلَى شَبَهٍ لَمْ يَعْتَبِرْ كَوْنَهُ عِلَّةً وَقَالَ الْخَفَّافُ فِي " الْخِصَالِ ": عِلَّةُ غَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ صَحِيحَةٌ، وَالْحُكْمُ بِهَا جَائِزٌ إذَا كَانَتْ عِلَّةَ مَا وَصَفْنَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَخْرَجَةِ.
وَأَمَّا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَفَسَّرَا قِيَاسَ الشَّبَهِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَسَمَاهُ إلَى نَوْعَيْنِ: قِيَاسُ تَحْقِيقٍ يَكُونُ الشَّبَهُ فِي أَحْكَامِهِ، وَقِيَاسُ تَقْرِيبٍ يَكُونُ الشَّبَهُ فِي أَوْصَافِهِ. وَقِيَاسُ التَّحْقِيقِ مُقَابِلٌ لِقِيَاسِ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ وَإِنْ ضَعُفَ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute