السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فَيُعْتَبَرُ بِحَالِهِ، فَإِنْ كَانَ بَيَاضُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَوَادِهِ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُولِ بِالْبَيَاضِ وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّوَادِ فِيهِ تَأْثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ سَوَادُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَيَاضِهِ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُولِ بِالسَّوَادِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَيَاضِ فِيهِ تَأْثِيرٌ، وَمِثَالُهُ فِي الشَّرْعِ الشَّهَادَاتُ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا بِقَبُولِ الْعَدْلِ وَرَدِّ الْفَاسِقِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدًا غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُمْحِضُ الطَّاعَةَ حَتَّى لَا يَشُوبَهَا شَيْءٌ وَيَخْرِمَهَا، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْأَغْلَبِ فِي حَالَتَيْهِ: فَإِنْ كَانَتْ الطَّاعَاتُ أَغْلَبَ حُكِمَ بِعَدَالَتِهِ، أَوْ الْمَعَاصِي أَغْلَبَ حُكِمَ بِفِسْقِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا الضَّرْبُ لَا يُسَمَّى قِيَاسًا، لِأَنَّ الْقِيَاسَ مَا اُسْتُخْرِجَ عِلَّةُ فَرْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَهَذَا قَدْ اُسْتُخْرِجَ عِلَّةُ أَصْلِهِ مِنْ فَرْعِهِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مَعْنَى الْأَصْلِ مَوْجُودًا بِكَمَالِهِ مِنْ الْفَرْعِ، فَإِذَا وَجَدَ بَعْضَ أَوْصَافِهِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِهِ. وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ صِفَةَ الْعِلَّةِ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ الْفَرْعِ وَحُكْمُ الْعِلَّةِ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الْأَصْلِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَوْضُوعٌ بِحُكْمِ الْعِلَّةِ دُونَ صِفَتِهَا. وَهَذَا كَمَا تَقُولُ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ: إذَا خَالَطَهُ مَائِعٌ طَاهِرٌ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ نُظِرَ: إنْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ حَكَمْنَا لَهُ بِالتَّطْهِيرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ، وَإِنْ كَانَ مَاءُ الْوَرْدِ أَكْثَرَ حَكَمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُطَهَّرٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ طَهُورٌ، وَأَنَّ الْحَادِثَةَ أَشْبَهَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَوْصَافِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ حُكْمِهَا، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِغَيْرِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِمَا لَا يُشْبِهُهَا وَتَرْكُهُ مَا يُشْبِهُهَا، وَلَا إلْحَاقُهُ بِهِمَا لِتَضَادِّهِمَا فَكَانَ أَكْثَرُهَا شَبَهًا أَوْلَى.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: هَذَا النَّوْعُ فِي الْقِيَاسِ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يُقَاسُ عَلَى مَا يَلْحَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَخْلُو الْوَصْفُ الَّذِي أَشْبَهَ الْأَصْلَ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ الْأَصْلِ، أَوْ لَيْسَ بِعِلَّةٍ، فَإِنْ كَانَ عِلَّةً فَهُوَ قِيَاسُ الْعِلَّةِ لَا قِيَاسُ الشَّبَهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ قَالَ: وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَك إذَا تَرَدَّدَ فَرْعٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ وَقَاسَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute