للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْأَصْلَيْنِ عَلَى أَصْلِهِ بِعِلَّةٍ ظَاهِرُهَا الصِّحَّةُ يَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ لِتَغْلِيبِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ لِكَثْرَةِ الشَّبَهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّرْجِيحِ.

الثَّانِي: أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الصِّفَتَيْنِ، وَالصِّفَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي الْفَرْعِ، وَصِفَةُ الْفَرْعِ تُقَارِبُ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَإِنْ خَالَفَتْهَا. مِثَالُهُ فِي الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ أَصْلَيْنِ مَعْلُولًا بِالْبَيَاضِ، وَالْآخَرُ بِالسَّوَادِ، وَالْفَرْعُ أَخْضَرُ لَا أَبْيَضُ وَلَا أَسْوَدُ، فَرُدَّ إلَى أَقْرَبِ الْأَصْلَيْنِ شَبَهًا بِصِفَتَيْهِ وَالْخُضْرَةُ أَقْرَبُ إلَى السَّوَادِ، وَمِثَالُهُ فِي الشَّرْعِ قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] وَلَيْسَ الْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ شَبِيهًا بِالصَّيْدِ فِي جَمِيعِ أَوْصَافِهِ وَلَا مُنَافِيًا لَهُ فِي جَمِيعِهَا، فَاعْتُبِرَ فِي الْجَزَاءِ أَقْرَبُ الشَّبَهِ بِالصَّيْدِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ قِيَاسًا، لِأَنَّ الْقِيَاسَ: مَا وُجِدَتْ أَوْصَافُ أَصْلِهِ فِي فُرُوعِهِ، وَأَوْصَافُ الْأَصْلِ فِي هَذَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي الْفَرْعِ، فَصَارَ قِيَاسًا بِغَيْرِ عِلَّةٍ. وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الْحَادِثَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُكْمٍ، وَالْحُكْمُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي الْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَصْلٌ غَيْرُ الْقِيَاسِ كَمَا فِي أَقْرَبِهِمَا شَبَهًا بِأَصْلٍ هُوَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ. وَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اجْتِهَادًا مَحْضًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ قِيَاسًا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْفَرْعُ جَامِعٌ لِصِفَتَيْ الْأَصْلَيْنِ وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْفَرْعِ دُونَ الْآخَرِ. وَمِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي مِنْ الطَّهَارَةِ. فَيَكُونُ رَدُّهُ إلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ لِمُجَانَسَتِهِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ. ثُمَّ قَالَا: وَهَاهُنَا قِسْمٌ رَابِعٌ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُرُودِهِ، وَهُوَ أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فِيهِ شَبَهُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ، وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، فَمَنَعَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ وُجُودِهِ وَأَحَالَ تَكَافُؤَ الْأَدِلَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهُ الْعِبَادَ بِمَا لَمْ يُوصِلْهُمْ إلَى عِلْمِهِ، وَلَكِنْ رُبَّمَا خَفِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>