عَلَى الْمُسْتَدِلِّ لِقُصُورِهِ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ عَدَلَ إلَى الْتِمَاسِ حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ الْقِيَاسِ. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى جَوَازِ وُجُودِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَدِلَّةِ غَامِضَةٌ لِمَا عُلِمَ فِيهَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُتَكَافِئَةٌ لِمَا رَآهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ مَعَ التَّكَافُؤِ. فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ مَا تَكَافَأَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ، وَتَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ حَاظِرٍ وَمُبِيحٍ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْمُجْتَهِدُ بِالْخِيَارِ فِي رَدِّهِ إلَى أَيِّ الْأَصْلَيْنِ شَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ لَمْ يُرِدْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَنَصَبَ عَلَى مُرَادِهِ مِنْهُمَا دَلِيلًا. وَالثَّانِي: يَرُدُّهُ إلَى أَغْلَظِ الْأَصْلَيْنِ حُكْمًا وَهُوَ الْحَظْرُ دُونَ الْإِبَاحَةِ احْتِيَاطًا، لِأَنَّ أَصْلَ التَّكْلِيفِ مَوْضُوعٌ لِلتَّغْلِيظِ.
قَالَا: فَصَارَ أَقْسَامُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا شَرَحْنَا اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا: سِتَّةٌ مِنْهَا مُخْتَصَّةٌ بِقِيَاسِ الْمَعْنَى، مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فِي الْخَفِيِّ. وَسِتَّةٌ مُخْتَصَّةٌ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ، مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فِي قِيَاسِ التَّحْقِيقِ، وَثَلَاثَةٌ فِي قِيَاسِ التَّقْرِيبِ.
وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قِيَاسَ التَّقْرِيبِ بِمَا حَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ مِنْ غَيْرِ بِنَاءِ فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ قَالَ: قَدْ ثَبَتَ أُصُولٌ مُعَلَّلَةٌ اتَّفَقَ الْقَائِسُونَ عَلَى عِلَلِهَا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْحَدُّ فِي تِلْكَ الْأُصُولِ مَعْنَوِيٌّ، وَجَعَلَ الِاسْتِدْلَالَ قَرِيبَةً مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَعْيَانِهَا حَتَّى كَأَنَّهَا أُصُولٌ مُعْتَمَدَةٌ مَثَلًا، وَالِاسْتِدْلَالُ مُعْتَبَرٌ بِهَا، وَاعْتِبَارُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى تَقْرِيبًا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ صُورَةٍ بِصُورَةٍ لِمَعْنًى جَامِعٍ. ثُمَّ مَثَّلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِ وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهَا مُتَرَبِّصَةٌ فِي تَبْرِئَةِ الرَّحِمِ وَتَسْلِيطُ الزَّوْجِ عَلَى رَحِمِهَا فِي الزَّمَانِ الَّذِي تُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّرَبُّصِ لِلتَّبْرِئَةِ تَنَاقُضُ، وَهَذَا مَعْنًى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute