جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقِيضَ حُكْمِ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ وَهُوَ الْإِثْمُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ، لِافْتِرَاقِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ وَهُوَ كَوْنُ هَذَا مُبَاحًا وَهَذَا حَرَامًا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا فَقِيلَ: إنَّهُ قِيَاسٌ حَقِيقَةً، وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " هُوَ قِيَاسٌ مَجَازًا، وَقِيلَ: لَا يُسَمَّى قِيَاسًا، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ "، لِأَنَّ غَايَتَهُ تُمْسِكُ بِنَظْمِ التَّلَازُمِ وَإِثْبَاتٌ لِإِحْدَى مُقَدِّمَتِهِ بِالْقِيَاسِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " الْمُلَخَّصِ " أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - احْتَجَّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي إبْطَالِ عِلَّتِهِ فِي الرِّبَا فِي الْأَثْمَانِ فَقَالَ: لَوْ كَانَ الْفِضَّةُ وَالْحَدِيدُ يَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا لَمْ يَجُزْ اسْتِلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لَوْ جَمَعَهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجُزْ اسْتِلَامُ. أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، فَلَمَّا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ اسْتِلَامُ الْفِضَّةِ فِي الْحَدِيدِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، " وَأَصَحُّهُمَا " وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَصِحُّ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْعَكْسِ اسْتِدْلَالٌ بِقِيَاسِ مَدْلُولٍ عَلَى صِحَّتِهِ بِالْعَكْسِ، وَإِذَا صَحَّ الْقِيَاسُ فِي الطَّرْدِ وَهُوَ غَيْرُ مَدْلُولٍ عَلَى صِحَّتِهِ فَلَأَنْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِالْعَكْسِ وَهُوَ قِيَاسُ مَدْلُولٍ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى دَلَّ عَلَى التَّوْحِيدِ بِالْعَكْسِ فَقَالَ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِهِ بِالْعَكْسِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] .
قُلْت: وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الْمُخْتَصَرِ " فَقَالَ فِي زَكَاةِ الْخُلْطَةِ: وَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا إذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ خُلَطَاءَ لَوْ كَانَ لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أُخِذَتْ مِنْهُمْ وَاحِدَةٌ فَصَدَّقُوا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَنَقَصُوا الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ مِنْ مَالِ الْخُلَطَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَوْ تَفَرَّقَ مَا لَهُمْ كَانَ فِيهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute