كَذَلِكَ، وَخَالَفَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا أَقَلُّهُ سَاعَةٌ فَقَدْ خَالَفُوا الْأَصْلَ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: مَنَعَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيّ لَا يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَلِهَذَا مَنَعَ مِنْ قَطْعِ النَّبَّاشِ بِالْقِيَاسِ، وَمَنَعَ مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى اللِّوَاطِ بِالْقِيَاسِ، وَمَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ بِإِيمَاءِ الْحَاجِبِ بِالْقِيَاسِ، وَمَنَعَ مِنْ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ بِالْقِيَاسِ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَّارَاتِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْعُقُوبَاتِ وَبَيْنَ مَا لَا يَجْرِي مَجْرَى الْعُقُوبَاتِ، وَمَنَعَ أَيْضًا مِنْ إثْبَاتِ النُّصُبِ بِالْقِيَاسِ. قَالَ: وَلِهَذَا الْأَصْلِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْفُصْلَانِ وَصِغَارِ الْغَنَمِ. وَالْأَصَحُّ عَلَى مَذْهَبِنَا جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الْمَقَادِيرِ. وَمَنَعَ الْكَرْخِيّ أَيْضًا أَنْ يُعَلَّلَ مَا رُخِّصَ فِيهِ لِنَوْعِ مُسَاهَلَةٍ كَأُجْرَةِ الْحَمَّامِ، وَقَطْعِ السَّارِقِ، وَالِاسْتِصْنَاعِ عَلَى أُصُولِهِمْ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ مِثْلُ الْخِفَافِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ تَتَبَّعَ الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَهُمْ وَأَبَانَ أَنَّهُمْ لَمْ يَفُوا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرُوهُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَّا الْحُدُودُ فَقَدْ كَثُرَتْ أَقْيِسَتُكُمْ فِيهَا تَعَدَّيْتُمُوهَا إلَى الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ فِي مَسْأَلَةِ شُهُودِ الزِّنَى فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْحَدَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَنَصُّوا أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ. وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَقَدْ قَاسُوا الْإِفْطَارَ بِالْأَكْلِ عَلَى الْإِفْطَارِ بِالْوِقَاعِ، وَقَاسُوا قَتْلَ الصَّيْدِ نَاسِيًا عَلَى قَتْلِهِ عَامِدًا مَعَ تَقْيِيدِ النَّصِّ بِالْعَمْدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ فَقَاسُوا فِيهَا وَمِمَّا أَفْحَشُوا فِي ذَلِكَ تَقْدِيرُ عَدَدِ الدِّلَاءِ عِنْدَ وُقُوعِ الْفَأْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلُوا تَقْدِيرًا عَلَى تَقْدِيرٍ فَقَدَّرُوا لِلْحَمَامِ غَيْرَ تَقْدِيرِ الْعُصْفُورِ وَالْفَأْرَةِ، وَقَدَّرُوا الدَّجَاجَةَ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَمَامَةِ وَقَدَّرُوا الْخِرْصَ بِالْقُلَّتَيْنِ فِي الْعُشْرِ. وَأَمَّا الرُّخَصُ فَقَدْ قَاسُوا فِيهَا وَتَنَاهَوْا فِي الْقَصْدِ فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِجْمَارِ مِنْ أَظْهَرِ الرُّخَصِ ثُمَّ اعْتَقَدُوا أَنَّ كُلَّ نَجَاسَةٍ نَادِرَةٍ أَوْ مُعْتَادَةٍ مَقِيسَةٌ عَلَى الْأَثَرِ اللَّاصِقِ بِمَحَلِّ النَّجْوِ، وَانْتَهَوْا فِي ذَلِكَ إلَى نَحْوِ نَفْيِ إيجَابِ اسْتِكْمَالِ الْأَحْجَارِ مَعَ قَطْعِ كُلِّ مُنْصِفٍ بِأَنَّ الَّذِينَ عَاصَرُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمُوا هَذَا التَّخْفِيفَ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِشِدَّةِ الْبَلْوَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute