ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمِنْ شَنِيعِ مَا قَالُوا فِي الرُّخَصِ، إثْبَاتُهُمْ لَهَا عَلَى خِلَافِ وَضْعِ الشَّرْعِ فِيهَا فَإِنَّهَا شُرِعَتْ تَخْفِيفًا وَإِعَانَةً عَلَى مَا يُعَانِيهِ الْمَرْءُ فِي سَفَرِهِ مِنْ كَثْرَةِ أَشْغَالٍ قَاسُوهَا فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. فَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ يَزِيدُ عَلَى الْقِيَاسِ إذْ الْقِيَاسُ تَقْدِيرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ قَرَارُهُ، وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَوْضُوعِ الْمَنْصُوصِ فِي الرُّخَصِ الْكُلِّيَّةِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَلَيْسَ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهَا بَلْ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ جَازَ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى مُخَيَّلٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فَإِنَّهُ مُعَلَّلٌ، وَمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا لَا يُعَلَّلُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْحُدُودِ أَوْ الْكَفَّارَاتِ. ثُمَّ قَدْ تَنْقَسِمُ الْعِلَلُ أَقْسَامًا، فَقِسْمٌ يُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ لَا تَفْصِيلُهُ وَهُوَ كُلُّ مَا يُمْكِنُ إبْدَاءُ مَعْنًى مِنْ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، وَقِسْمٌ يُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ وَتَفْصِيلُهُ لِعَدَمِ اطِّرَادِ التَّعْلِيلِ فِي التَّفَاصِيلِ، وَقِسْمٌ آخَرُ لَا تُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ، لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ جُمْلَتِهِ تُعَلَّلُ تَفَاصِيلُهُ، كَالْكِتَابَةِ وَالْإِجَازَةِ وَفُرُوعِ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ. وَقَدْ يُوجَدُ قِسْمٌ لَا يَجْرِي التَّعْلِيلُ فِي جُمْلَتِهِ وَتَفَاصِيلِهِ، كَالصَّلَاةِ وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِ وَرُبَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَقَادِيرُ الْأَنْصِبَةِ وَالْأَوْقَاصُ انْتَهَى.
وَقَالَ إلْكِيَا: نُقِلَ عَنْ زُعَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ امْتِنَاعُ الْقِيَاسِ فِي التَّقْدِيرَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالرُّخَصِ، وَلِذَلِكَ مَنَعُوا إثْبَاتَ حَدِّ السَّارِقِ فِي الْمُخْتَلِسِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ لِهَذَا الْمُحْصَرِ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ وَقَالَ: إنَّهُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ عِبَادَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَكَانَ يَقُولُ: إنَّ النُّصُبَ لَا يَصِحُّ أَنْ تُبْتَدَأَ بِقِيَاسٍ وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِذَلِكَ اعْتَدَّ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي الْفَصِيلِ، وَكَانَ يُجَوِّزُ أَنْ يَعْمَلَ الْقِيَاسُ فِي نُصُبِ مَا قَدْ يَثْبُتُ الزَّكَاةُ فِيهَا، كَمَا يُجَوِّزُ أَنْ يَعْمَلَ الْقِيَاسُ فِي صِفَةِ الْعِبَادَةِ مِنْ وُجُوبٍ وَغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قَبِلُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي إثْبَاتِ النِّصَابِ فِيمَنْ زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، وَفِي وُجُوبِ الْوَتْرِ. فَقِيلَ لَهُمْ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْحُدُودِ وَالْأَيْمَانِ بِالْقِيَاسِ، فَأَجَابُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute