للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِوُجُودِ عِلَّةٍ تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ، كَزِيَادَةِ التَّعْزِيرِ فِي حَقِّ الشُّرْبِ وَتَبْلِيغِهِ إلَى ثَمَانِينَ، قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ. أَمَّا إنْشَاءُ حَدٍّ بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدٍّ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ.

الثَّالِثُ: ذَكَرَ فِي " الْمَحْصُولِ " تَبَعًا لِلشَّيْخِ فِي " اللُّمَعِ " أَنَّ الْعَادَاتِ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهَا وَمَثَّلَهُ بِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِتَمْثِيلِ الْمَاوَرْدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السَّابِقِ، لِأَنَّهُ مَثَّلَ بِهِ لِلْمَقَادِيرِ وَقَدْ خَطَّأَ مَنْ قَاسَ فِي الْعِبَادَاتِ بِأَنَّ هَذِهِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْمَوْجُودِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّ الْأُمُورَ الْوُجُودِيَّةَ لَا تَطَّرِدُ عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا حِينَئِذٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ: فَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ مَوْجُودَةً فِي هَذَا الْفَرْعِ أَثْبَتْنَا الْحُكْمَ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْفَرْعِ حِينَئِذٍ فِي سَبَبِ الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ وُجُودُهُ فَالْحُكْمُ مُثْبِتٌ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ سَبَبَ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الرَّأْي وَالتَّقْلِيلُ مِنْ التَّوْقِيفِ وَالْأَحَادِيثِ، فَتَبَرَّأَ أَصْحَابُهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي قَاسَ فِيهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ مَنَعَهُمْ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّا أَقْوَلُ بِالْقِيَاسِ مِنْهُمْ.

الْخَامِسُ: سَبَقَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَنَعَ الْقِيَاسَ فِي الْكَفَّارَاتِ ثُمَّ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُفْطِرِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَالشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ جَوَازُ الْقِيَاسِ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي غَيْرِ الْوِقَاعِ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَا أَجْدَرَ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ أَنْ يَنْتَحِلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبَ صَاحِبِهِ، يَعْنِي: أَنَّ قِيَاسَ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ فِي الْكَفَّارَاتِ عَدَمُ تَخْصِيصِهَا بِالْوِقَاعِ دُونَ سَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>