للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَكُنْ عِلَّةً، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ أَمْرٌ أَعَمُّ مِنْ الزِّنَى فَقَدْ عَلَّلَ الزِّنَى فِي كَوْنِهِ [سَبَبًا] بِعِلَّةٍ أَخْرَجَتْ الزِّنَى عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا. وَيُمْنَعُ تَعْلِيلُ الْأُصُولِ بِمَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أُصُولًا. هَذَا أَعْظَمُ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ فِي مَنْعِ تَعْلِيلِ الْأَسْبَابِ، وَقَدْ تَحَيَّرَ الْأَصْحَابُ فِي الْجَوَابِ، وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَنْقِيحِ مَنَاطِ الْحُكْمِ دُونَ تَخْرِيجِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْإِنْصَافُ يَقْتَضِي مُسَاعَدَتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَزَعَمَ أَنَّ الْجَارِيَ فِي تَعْلِيلِ الْأَصْحَابِ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ دُونَ تَخْرِيجِهِ وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ، وَقَالَ: لَا وَجْهَ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ الْحَقُّ.

وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ الِاعْتِرَافُ بِامْتِنَاعِ إجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ، لَا لِخُصُوصٍ فِي التَّعَبُّدِ، وَلَا لِتَعَذُّرِ فَهْمِ الْمَعْنَى، وَلَكِنْ لِاسْتِحَالَةِ وِجْدَانِ الْأَصْلِ عِنْدَ التَّعْلِيلِ إذْ يَفُوتُ الْقِيَاسُ لِفَوَاتِ بَعْضِ أَرْكَانِهِ وَلَا يَبْقَى لِلْقِيَاسِ حَقِيقَةٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الصَّحِيحُ إجْرَاءُ الْقِيَاسِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الْأَسْبَابِ، وَلَا فَرْقَ فِي تَصَوُّرِ الْقِيَاسِ بَيْنَ تَعْلِيلِ الْأَسْبَابِ وَتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ. وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّهُ إذَا حَرُمَتْ الْخَمْرَةُ فَهَلْ حَرُمَتْ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ وَصْفِهَا وَهُوَ الْخَمْرِيَّةُ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى النَّبِيذِ بِحَالٍ، أَوْ حَرُمَتْ الْخَمْرُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُزِيلَةً لِلْعَقْلِ وَهُوَ الْوَصْفُ الْأَعَمُّ؟ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهَا، وَقَدْ بَانَ لَنَا أَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ اشْتِدَادِهَا وَإِسْكَارِهَا فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلْنَا الزِّنَى عِلَّةَ الرَّجْمِ فَيُقَالُ: هَلْ هُوَ عِلَّةٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ زِنًى أَوْ مِنْ جِهَةِ عِلَّةٍ أُخْرَى أَعَمَّ مِنْ هَذَا، أَوْ لَا عِلَّةَ وَهُوَ بَاطِلٌ فَهَذَا هُوَ الْمُنَاقِضُ. أَمَّا إذَا جُعِلَ عِلَّةً مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً مُطْلَقًا. هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ تَعْلِيلُ الْأَسْبَابِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ فِي الْأُصُولِ السَّابِقَةِ.

قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ فَقَدْ زَلَّ فِيهَا الْجَمَاهِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>