وَأَثْبَتُوا الْقِيَاسَ فِي الْأَسْبَابِ عَلَى وَجْهٍ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْقِيَاسِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: صُورَةُ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى أَنَّ الزِّنَى سَبَبٌ فِي الرَّجْمِ، وَالنَّصُّ أَوْمَأَ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ نَقِيسَ عَلَيْهِ اللِّوَاطَ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ السَّبَبِيَّةِ لَهُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلرَّجْمِ، أَوْ لَا؟ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ. وَمِنْهُ قِيَاسُ النَّبْشِ عَلَى السَّرِقَةِ وَلِلْمَانِعِينَ مَسْلَكَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِحِكْمَةِ السَّبَبِ، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْأَوْصَافِ. قَالُوا: وَالْحِكَمُ خَفِيَّةٌ لَا تَنْضَبِطُ، وَالْأَوْصَافُ ظَاهِرَةٌ مُنْضَبِطَةٌ، وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِمَا لَا يَنْضَبِطُ، فَلَوْ فَرَضْنَا انْضِبَاطَ الْحِكَمِ فَفِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا خِلَافٌ، فَإِنْ أَجَزْنَاهُ فَلَا يُقَاسُ فِي الْأَسْبَابِ بَلْ نَقِيسُ الْفَرْعَ بِالْحِكْمَةِ الْمُنْضَبِطَةِ، وَيُسْتَغْنَى عَنْ تَوْسِيطِ السَّبَبِ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ بَطَلَ الْقِيَاسُ فِي السَّبَبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْأَسْبَابِ يُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى أَصَالَتِهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْأَحْكَامِ يُقَرِّرُ الْأَصْلَ أَصْلًا وَيَلْحَقُ بِهِ فَرْعًا، وَالْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ يُبْطِلُ كَوْنَ السَّبَبِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ سَبَبًا، وَيُحَقِّقُ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ أَمْرٌ أَعَمُّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ، وَيُؤَوَّلُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ وَلَا فَرْعَ فَلَا قِيَاسَ، فَقِيَاسُ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ لَمْ يُغَيِّرْ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَلَا إضَافَةَ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا، وَقِيَاسُ اللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَى غَيَّرَ كَوْنَ الزِّنَى سَبَبًا وَصَيَّرَ السَّبَبَ (الْإِيلَاجَ) الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ، فَيَصْدُقُ عَلَى الزِّنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ إنْ فَرَضْنَاهُ سَبَبًا.
وَأَمَّا الْمُجَوِّزُونَ فَاحْتَجُّوا بِأَمْرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ انْسِحَابُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ اسْتَرْسَلُوا فِي الْأَقْيِسَةِ، وَلَوْ ذَهَبْنَا نَشْتَرِطُ فِي كُلِّ صُورَةٍ إجْمَاعًا خَاصًّا بِهَا لَاسْتَحَالَ، فَالْقِيَاسُ فِي السَّبَبِ كَالْقِيَاسِ فِي الْإِجَارَةِ مَثَلًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجْمَاعٍ خَاصٍّ (قَالَ) : وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute