بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَالنَّفْيُ الْأَصْلِيُّ لَا يَثْبُتُ بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ وَيَجُوزُ بِقِيَاسِ الدَّلَالَةِ.
قَالَ الْأَنْبَارِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَسْبُوقَ بِإِثْبَاتٍ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ أَدِلَّةَ الْإِثْبَاتِ تَتَأَخَّرُ عَنْ الدَّلَالَةِ فِي حَالَةِ مَنْ يُبْقِي تِلْكَ الْحَالَةَ عَلَى مَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. وَمِثَالُهُ: أَنَّ الْخَمْرَ كَانَ تَحْرِيمُهَا مُنْتَفِيًا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّرْعُ بِالتَّحْرِيمِ مَخْصُوصًا بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَبَقِيَ ثُبُوتُهَا فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَهَذَا نَفْيٌ مَسْبُوقٌ بِإِثْبَاتٍ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ فَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ نَفْيًا أَصْلِيًّا.
ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَتِهِ سَمْعِيًّا، لِأَنَّ مَا لَيْسَ طَرِيقُهُ بِسَمْعِيٍّ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ بَيَانُ طُرُقِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَذَا الشَّرْطُ عَلَى رَأْيِنَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ فَاحْتَرَزُوا بِهِ عَنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الْعَقْلُ وَفِي " الْمَحْصُولِ ": هَذَا الشَّرْطُ عَلَى رَأْيِنَا، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ الْمُجَوِّزُونَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِالْعَقْلِ فَفِيهِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ احْتِمَالٌ.
رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَيُعْرَفُ حُكْمُهُ بِالنَّصِّ وَالظَّاهِرِ وَالْعُمُومِ، فَأَمَّا مَا عُرِفَ الْحُكْمُ مِنْهُ بِالْمَفْهُومِ وَالْفَحْوَى فَهَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ؟ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: إنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ النُّطْقِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ كَالْقِيَاسِ فَيَلْحَقُ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ فَهَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ: الْجَوَازُ، وَحَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْرَفْ النَّصُّ الَّذِي أَجْمَعُوا لِأَجْلِهِ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ أَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ كَالنَّصِّ، فَإِذَا جَازَ الْقِيَاسُ عَلَى الثَّابِتِ بِالنَّصِّ جَازَ عَلَى الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute