قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَشُبْهَةُ الْمَانِعِ احْتِمَالُ كَوْنِ عِلَّةِ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ قَاصِرَةً لَا تَتَعَدَّى. وَجَوَابُهَا: إنَّمَا نُعَلِّلُ بِعِلَّةٍ مُتَعَدِّيَةٍ إلَى الْفَرْعِ، وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ وَمُتَعَدِّيَةٍ جَائِزٌ. وَهَذَا يَلْتَفِتُ إلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَعَلَى عِلَّتِهِ هَلْ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَنَا: يَجُوزُ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى الْعِلَّةِ، لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعَقْلِيَّاتِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ فَأَطْلَقَ الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ قِيَاسًا عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْأَصْلُ فَرْعًا لِأَصْلٍ آخَرَ. فَاحْتَجُّوا عَلَى الْمَنْعِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ إنْ اتَّحَدَتْ كَانَ ذِكْرُ الْأَصْلِ الثَّانِي تَطْوِيلًا بِلَا فَائِدَةٍ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِقِيَاسِ الْفَرْعِ الثَّانِي عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَلَا مَعْنَى لِقِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْأُرْزِ بِقِيَاسِ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْقِيَاسُ الثَّانِي، لِعَدَمِ اشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِيهِ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ. لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مَنْعَ الْقِيَاسِ عَلَى الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ؛ قَالَ: وَيُسَاعِدُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ. وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْجَوَازِ قَالَ: وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ: جَوَازُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ: قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " الْأُمِّ " الْمَنْعُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute