اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ: إنَّ الْمُسَاقَاةَ عَلَى النَّخْلِ جَائِزَةٌ، وَالْمُزَارَعَةَ عَلَى الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ مُمْتَنِعَةٌ، وَإِنَّ مَنْ أَجَازَهَا قَاسَهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَقَالَ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا غَلَطٌ فِي الْقِيَاسِ، إنَّمَا أَجَزْنَا بِخَبَرِ الْمُضَارَبَةِ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا كَانَتْ قِيَاسًا عَلَى الْمُعَامَلَةِ فِي النَّخْلِ فَكَانَتْ تَبَعًا قِيَاسًا، لَا مَتْبُوعًا مَقِيسًا عَلَيْهَا. انْتَهَى. وَأَمَّا الشَّيْخُ فِي " اللُّمَعِ " فَإِنَّهُ قَسَمَ الْمَسْأَلَةَ إلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ نَفْسَ الْمَعْنَى الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. قَالَ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْهُ مَعْنَى الَّذِي يَقِيسُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَيُقَاسُ غَيْرُهُ قَالَ: وَهَذَا فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: الْجَوَازُ، وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ فِي " التَّبْصِرَةِ ".
وَالثَّانِي: وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيّ: الْمَنْعُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ يَصِحُّ عِنْدِي الْآنَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ فِي الْفَرْعِ بِغَيْرِ عِلَّةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْقَوَاطِعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَزَالِيُّ غَيْرَهُ. وَمِثَالُهُ قِيَاسُ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطُّعْمِ مَنْ يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْأُرْزِ مَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي الْبُرِّ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي الرِّبَا، كَمَا لَوْ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ أَنَّهُ نَبْتٌ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْمَاءُ ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ النَّيْلُوفَرُ. فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْقِسْمَيْنِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَوَّلِ، وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي الثَّانِي مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَقَالَ: وَأَصْلُهُمَا الْقَوْلُ بِالتَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ، فَمَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ مَنَعَ هُنَا، وَمَنْ أَجَازَهُمَا أَجَازَ هَاهُنَا. لَكِنَّ قَوْلَهُ وَقَوْلَ الشَّيْخِ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إلْحَاقِهِ رَدَّهُ تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَعَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ قَدْ صَرَّحَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْمَنْعِ، لِأَنَّ تَطْوِيلَ الطَّرِيقِ فِي ذَلِكَ عَيْبٌ فَلَمْ يَجُزْ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَّجِهُ. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute