قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَقَدْ يُمْنَعُ التَّعْلِيلُ بِنَصِّ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى الِاقْتِصَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: ٥٠] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بُرْدَةَ: «وَلَنْ يُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» وَقَوْلِهِ: «أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» ، فَإِذَا امْتَنَعَ النَّصُّ عَلَى الْقِيَاسِ امْتَنَعَا. وَكَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ إجْمَاعٌ عَلَى هَذَا النَّحْوِ كَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَقْصُرُ، وَإِنْ سَاوَى الْمُسَافِرَ فِي الْفِطْرِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْمَخْصُوصِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ فَيُقَالُ: إنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ فِيهِ. وَالْأَصْلُ فِيمَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمَخْصُوصِ وَيَمْتَحِنَ، فَإِنْ كَانَ يَتَعَدَّى قِيسَ عَلَيْهِ، كَقِيَاسِ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ فِي الْوُلُوغِ، وَقِيَاسِ خُفِّ الْحَدِيدِ عَلَى الْأَدَمِ بِالْمَسْحِ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمَخْصُوصِ وَصْفٌ يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ امْتَنَعَ الْقِيَاسُ كَالْجَنِينِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الشَّخْصُ الْمَلْفُوفُ فِي الثَّوْبِ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى فِي الْجَنِينِ يُقَاسُ عَلَيْهِ الْمَلْفُوفُ. أهـ.
وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا فَالْقَطْعِيُّ يَجُوزُ إلْحَاقُ الْغَيْرِ بِهِ وَالظَّنِّيُّ يَكُونُ الْفَرْعُ مِنْهُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَصْلَيْنِ:
أَصْلٌ يُوجِبُ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِيهِ، وَآخَرُ يَنْفِيهِ لِمُشَابَهَتِهِ لِلْمُسَمَّى وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ بِدَلِيلٍ. وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَسْتَدْعِي تَعْرِيفَ مَا عُدِلَ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ بَيَّنَ إلْكِيَا ذَلِكَ بِأَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ قَاعِدَةً مُتَأَصِّلَةً فِي نَفْسِهَا مُخْتَصَّةً بِأَحْكَامِ غَيْرِهَا، فَلَا يُقَالُ لِهَذَا الْمَعْنَى إنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلٌ أَوْلَى بِهِ، كَقَوْلِهِمْ: النِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ يَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، فَصِحَّتُهُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ مَا فِي النِّكَاحِ مِنْ الْمَقْصُودِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِإِبْهَامِ الْمُدَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute