للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالتَّنَاسُلِ، فَالْإِبْهَامُ فِيهِ كَالْإِعْلَامِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: السَّلَمُ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةُ مَوْجُودٍ بِمَعْدُومٍ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ. فَإِنَّا لَمْ نُجَوِّزْ الْمُعَامَلَةَ بِمَوْجُودٍ لِمَعْدُومٍ لِغَرَرٍ مُتَوَقَّعٍ، وَإِلَّا فَالْعَقْلُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ إذَا وُجِدَ الرِّضَا، وَلَكِنَّ الِاغْتِرَارَ مِمَّا يَجُرُّ نَدَمًا وَضَرَرًا، فَإِذَا ظَهَرَ لَنَا فِي السَّلَمِ أَنَّ الْحَالَةَ الدَّاعِيَةَ إلَى تَجْوِيزِهِ هِيَ الْغَرَرُ الْمَقْرُونُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْوَزْنِ مَا يُخَالِفُ أَنَّهُ مُخَالِفُ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الرِّضَا وَيَعْتَدُّ بِهِ الشَّارِعُ لِلْمَصَالِحِ الْجُزْئِيَّةِ وَحَيْثُ لَا مَصْلَحَةَ فِي نَفْيِ الْغَرَرِ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ الرِّضَا، فَغَلَّبْنَا مَصْلَحَةً عَلَى أُخْرَى.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِيهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَلَقَّى مِنْ أَصْلٍ آخَرَ وَلَا يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْأَصْلِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ، وَبِهِ يَتَمَيَّزُ هَذَا الْقِسْمُ مِمَّا قَبْلَهُ. وَنَظِيرُهُ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ مَعَ الْجَرِيمَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ غَلَّبَ حُرْمَةَ الْأُبُوَّةِ فَقَالَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ، فَهَذَا لَا يَظْهَرُ لَنَا وَجْهُ تَغْلِيبِهِ. بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ لَنَا مِنْ قِيَاسِ الْأُصُولِ تَغْلِيبُ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لِمَعْنًى خَفِيٍّ.

وَمِنْهُ: الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّهَا أُثْبِتَتْ عَلَى خِلَافِ قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ، وَكُلُّ قِيَاسٍ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ هَذَا الِاخْتِصَاصِ مَرْدُودٌ، وَكُلُّ قِيَاسٍ يَتَضَمَّنُ تَقْرِيبًا مَقْبُولٌ، فَهُوَ عَلَى اعْتِبَارِ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِمِقْدَارِ الْمُوضِحَةِ، وَتَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ. أُثْبِتَ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ حَتَّى يَهْتَدِيَ الْبَدَلُ وَتَتَعَاوَنَ عَلَى أَدَائِهِ، وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي بَدَلِ الْعَبْدِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي إخْرَاجِ الصَّيْدِ مِنْ قِيمَتِهِ وَهَلْ هُوَ كَخِرَاجِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهِ اعْتِبَارِ قِيَاسِ الْغَرَامَاتِ، وَيَجُوزُ إجْرَاءُ الْقِيَاسِ فِيهِ عَلَى شَرْطِ الْتِزَامِ التَّقْرِيبِ بِحَيْثُ لَا يَلْتَزِمُ إبْطَالَ التَّخْصِيصِ أَوْ تَصَرُّفًا فِي غَيْبٍ وَالتَّقْرِيبُ الْخَاصُّ أَوْلَى مِنْ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الْمُخَيَّلِ، فَهَذَا هُوَ الْعُدُولُ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ، فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ فَهَاهُنَا أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>