بِهِ ثُبُوتَ النَّصِّ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ فَتَسْتَحِيلُ الْمَسْأَلَةُ، لِأَنَّ كَوْنَ دَلِيلِ الْحُكْمِ ظَنِّيًّا مَعَ أَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى عِلَّتِهِ قَطْعِيٌّ مُحَالٌ ضَرُورَةً أَنَّهُ مَهْمَا عُلِمَ النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ كَانَ الْحُكْمُ مَعْلُومًا قَطْعًا فَدَلِيلُهُ قَطْعِيٌّ لَا مَحَالَةَ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِطَرِيقٍ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ بَطَلَ قَوْلُهُ آخِرًا: " وَهَذَا الْقِيَاسُ طَرِيقُ حُكْمِهِ مَظْنُونٌ وَطَرِيقُ عِلَّتِهِ مَعْلُومٌ ".
(قَالَ) : وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي الضَّابِطِ: مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ وَعُقِلَ مَعْنَاهُ وَوُجِدَ فِي غَيْرِهِ جَازَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الشَّارِعِ قَصْدُ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَمَا لَمْ يَتَرَجَّحْ قِيَاسُ الْأُصُولِ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَحَ بِمَا يَتَرَجَّحُ بِهِ بَعْضُ الْأَقْيِسَةِ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ، لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ. وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ " الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: إذَا وَرَدَتْ قَاعِدَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ قِيَاسِ الْقَوَاعِدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ، قِيلَ: لَا يُقَاسُ عَلَى أَصْلِهَا وَلَا فَرْعِهَا، وَقِيلَ: يُقَاسُ فِي فُرُوعِهَا وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ أَصْلٌ آخَرُ (قَالَ) : وَالْمُخْتَارُ أَنَّ إطْلَاقَ الْأَمْرَيْنِ مُسْتَقِيمٌ، فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ وَإِنْ تَبَايَنَتْ فِي خَوَاصِّهَا فَقَدْ تَلْتَقِي فِي أُمُورٍ جُمَلِيَّةٍ، لِمُلَاحَظَةِ الشَّرْعِ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ فِي كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَأْبَى ذَلِكَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ لِعُذْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ وَقَالَ: الْمَخْصُوصُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَخْصُوصٌ بِالْمَعْنَى، وَمَخْصُوصٌ بِالذِّكْرِ. وَالْأَوَّلُ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ " إذَا لَمْ أَجِدْ عِلَّةَ الْحُكْمِ فَلَمْ أَقِسْ عَلَيْهِ غَيْرَهَا ".
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَقِيسُ عَلَى الْمَخْصُوصِ وَمَا يَرِدُ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ الْأُصُولِ، وَشَبَّهُوهُ بِمَا قُلْنَا فِي مَسِّ الذَّكَرِ أَنَّا لَا نَقِيسُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute