أَمَّا السَّبَبُ: فَهُوَ مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْعِلَّةِ مِنْ جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ الْكَلَامِيِّ وَالْأُصُولِيِّ وَالْفِقْهِيِّ وَاللُّغَوِيِّ. أَمَّا اللُّغَوِيُّ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: السَّبَبُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ. وَلَوْ بِوَسَائِطَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَبْلُ سَبَبًا، وَذَكَرُوا لِلْعِلَّةِ مَعَانِيَ يَدُورُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِيهَا عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ أَمْرًا مُسْتَمَدًّا مِنْ أَمْرٍ آخَرَ وَأَمْرًا مُؤَثِّرًا فِي آخَرَ. وَقَالَ أَكْثَرُ النُّحَاةِ: اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ وَلَمْ يَقُولُوا لِلسَّبَبِيَّةِ، وَقَالُوا الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَلَمْ يَقُولُوا لِلتَّعْلِيلِ. وَصَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالتَّعْلِيلِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمَا غَيْرَانِ. وَأَمَّا الْكَلَامِيُّ: فَاعْلَمْ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي تَوَقُّفِ الْمُسَبَّبِ عَلَيْهِمَا وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّبَبَ مَا يَحْصُلُ الشَّيْءُ عِنْدَهُ لَا بِهِ، وَالْعِلَّةُ مَا يَحْصُلُ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْلُولَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعِلَّةِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلَا شَرْطٍ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى وُجُودِهِ، وَالسَّبَبُ إنَّمَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِوَسَائِطَ، وَلِذَلِكَ يَتَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْهَا حَتَّى تُوجَدَ الشَّرَائِطُ وَتَنْتَفِي الْمَوَانِعُ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَلَا يَتَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْهَا، إذَا اُشْتُرِطَ لَهَا، بَلْ هِيَ أَوْجَبَتْ مَعْلُولًا بِالِاتِّفَاقِ، حَكَى الِاتِّفَاقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمَا.
وَأَمَّا الْأُصُولِيُّ: فَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي جَدَلِهِ ": الْعِلَّةُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ تُطْلَقُ عَلَى الْمَظِنَّةِ أَيْ الْوَصْفِ الْمُتَضَمِّنِ لِحِكْمَةِ الْحُكْمِ، كَمَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: قَتْلٌ لِعِلَّةِ الْقَتْلِ، وَتَارَةً يُطْلِقُونَهَا عَلَى حِكْمَةِ الْحُكْمِ، كَالزَّجْرِ الَّذِي هُوَ حِكْمَةُ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْعِلَّةُ الزَّجْرُ. وَأَمَّا السَّبَبُ: فَلَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ دُونَ الْحِكْمَةِ إذْ بِالْمَظِنَّةِ يُتَوَصَّلُ إلَى الْحُكْمِ لِأَجْلِ الْحِكْمَةِ. انْتَهَى. وَأَمَّا الْفِقْهِيُّ فَقَالَ إلْكِيَا: يُطْلَقُ السَّبَبُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute