للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: السَّبَبُ الَّذِي يُقَالُ: إنَّهُ مِثْلُ الْعِلَّةِ كَالرَّمْيِ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ، لِأَنَّ عَيْنَ الرَّمْيِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ لَا فِعْلَ مِنْهُ، وَمِنْهُ الزِّنَى. الثَّانِي: مَا يَكُونُ الطَّارِئُ مُؤَثِّرًا وَلَكِنَّ تَأْثِيرَهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا قَبْلَهُ، فَهُوَ سَبَبٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِنَادُ الْحُكْمِ إلَى الْأَوَّلِ لَا اسْتِنَادُ الْوَصْفِ الْآخَرِ إلَى الْأَصْلِ. الثَّالِثُ: مَا لَيْسَ سَبَبًا بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَصِيرُ سَبَبًا بِغَيْرِهِ، كَقَوْلِهِمْ: الْقِصَاصُ وَجَبَ رَدْعًا وَزَجْرًا، ثُمَّ قَالُوا: وَجَبَ لِسَبَبِ الْقَتْلِ، إذْ الْقَتْلُ عِلَّةُ الْقِصَاصِ، فَقَطَعُوا الْحُكْمَ عَنْ الْعِلَّةِ، وَجَعَلُوهُ مُتَعَلِّقًا بِالْعِلَّةِ، وَالْعِلَّةُ غَيْرُ الْحُكْمِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْلَا الْحِكْمَةُ لَكَانَ الْحُكْمُ صُورَةً غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلْحُكْمِ، فَبِالْحِكْمَةِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ صُورَةً، وَالْعِلَّةُ صَارَتْ جَالِبَةً لِلْحُكْمِ بِمَعْنَاهَا لَا بِصُورَتِهَا، وَدُونَ الْحِكْمَةِ لَا شَيْءَ إلَّا صُورَةُ الْفِعْلِ، وَالصُّورَةُ لَا تَكُونُ عِلَّةً قَطُّ، فَعَلَى هَذَا، الْحِكْمَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْعِلَّةِ فَلَا عِلَّةَ بِدُونِهَا، وَالْخِلَافُ يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ. الرَّابِعُ: مَا يُسَمَّى سَبَبًا مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِمَا يَجِبُ، كَقَوْلِهِمْ الْإِمْسَاكُ سَبَبُ الْقَتْلِ، وَلَيْسَ سَبَبَ الْقَتْلِ حَقِيقَةً، فَإِنَّهُ لَيْسَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ، بَلْ الْقَتْلُ بِاخْتِيَارِ الْقَاتِلِ، وَلَكِنَّهُ سَبَبٌ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْقَتْلِ بِإِلْحَاقٍ، وَقِيلَ: سَبَبُ الْقَتْلِ. فَالْأَسْبَابُ لَا تَعْدُو هَذِهِ الْوُجُوهَ.

انْتَهَى. وَقَالَ فِي " تَعْلِيقِهِ ": الْمُتَكَلِّمُونَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: الْعِلَّةُ هِيَ الَّتِي يَعْقُبُهَا الْحُكْمُ، وَالسَّبَبُ مَا تَرَاخَى عَنْهُ الْحُكْمُ وَوَقَفَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ شَيْءٍ بَعْدَهُ. وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْحِكْمَةِ، بِأَنَّ السَّبَبَ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْحُكْمِ، وَالْحِكْمَةُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ مُفِيدٌ لَهَا، كَالْجُوعِ سَبَبُ الْأَكْلِ، وَمَصْلَحَةُ رَفْعِ الْجُوعِ وَتَحْصِيلِ الشِّبَعِ حِكْمَةٌ لَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفِقْهِيَّاتِ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَهُ مَدْخَلٌ فِي زَهُوقِ الرُّوحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>