إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الزَّهُوقِ وَلَا فِيمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَهُوَ " الشَّرْطُ "، كَحَفْرِ الْبِئْرِ الَّتِي يَتَرَدَّى فِيهَا مُتَرَدٍّ.
وَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ وَحَصَّلَهُ فَهُوَ " الْعِلَّةُ " كَالْقَدِّ وَالْحَزِّ. وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الزَّهُوقِ وَلَكِنْ أَثَّرَ فِيمَا يُؤَثِّرُ فِي حُصُولِهِ فَهُوَ " السَّبَبُ " كَالْإِكْرَاهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْقِصَاصُ بِالشَّرْطِ قَطْعًا، وَيَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ قَطْعًا، وَفِي السَّبَبِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ. وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ فَوْقَ السَّبَبِ، صَحَّ الْحُكْمُ بِتَقَاصُرِ رُتْبَتِهِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ مِنْ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ، وَالْعِلَّةُ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِ، وَمِنْ نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا فَتَحَ زِقًّا بِحَضْرَةِ مَالِكِهِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ وَالْمَالِكُ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْفَاتِحِ وَجْهَانِ، وَلَوْ رَآهُ يَقْتُلُ عَبْدَهُ أَوْ يَحْرُقُ ثَوْبَهُ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَنْعِ وَجَبَ الضَّمَانُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَتْلَ وَالتَّحْرِيقَ مُبَاشَرَةٌ، وَفَتْحَ الزِّقِّ سَبَبٌ، وَالسَّبَبُ قَدْ يَسْقُطُ حُكْمُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَنْعِهِ، بِخِلَافِ الْعِلَّةِ لِاسْتِقْلَالِهَا فِي نَفْسِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: قَدْ يَسْقُطُ حُكْمُهُ وَلَمْ نَجْعَلْ السُّقُوطَ مُطَّرِدًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ صَالَتْ عَلَيْهِ بَهِيمَةُ غَيْرِهِ وَأَمْكَنَهُ الْهَرَبُ فَلَمْ يَهْرُبْ فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ وَهُوَ بِعَدَمِ هُرُوبِهِ مُفَرِّطٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: لَا يَضْمَنُ لِوُقُوعِ الصِّيَالِ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَرْجَحُ مِنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الزِّقِّ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ الصِّيَالِ دَهْشَةٌ تَشْغَلُهُ عَنْ الدَّفْعِ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ: الطُّرُقُ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ وَالشَّرْطِ: أَنَّا نَنْظُرُ إلَى الشَّيْءِ إنْ جَرَى مُقَارِنًا لِلشَّيْءِ وَأَثَّرَ فِيهِ فَهُوَ " الْعِلَّةُ "، أَوْ غَيْرَ مُقَارَنٍ وَلَا تَأْثِيرَ لِلشَّيْءِ فِيهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ " سَبَبٌ ". وَأَمَّا " الشَّرْطُ " فَهُوَ مَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ. وَهُوَ مُقَارَنٌ غَيْرُ مُفَارِقٍ لِلْحُكْمِ كَالْعِلَّةِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ أَصْلًا.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشَّرْطُ مَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute