للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسَّبَبُ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْحُكْمِ بَلْ يُوجِبُ مُصَادَفَتَهُ وَمُوَافَقَتَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَفَّالِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الشَّرْطُ إذَا اتَّصَلَ بِالسَّبَبِ وَلَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا كَانَ تَأْثِيرُهُ فِي حُكْمِ تَأَخُّرِ السَّبَبِ إلَى حِينِ وُجُودِهِ لَا فِي مَنْعِ وُجُودِهِ، وَمِثَالُهُ إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَالسَّبَبُ قَوْلُهُ: " فَأَنْتِ طَالِقٌ " لِأَنَّ " أَنْتِ طَالِقٌ " ثَابِتٌ مَعَ الشَّرْطِ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ بِدُونِهِ، غَيْرَ أَنَّ الشَّرْطَ أُوقِفَ حُكْمُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ، فَتَأْثِيرُ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ فِي مَنْعِ حُكْمِ الْعِلَّةِ، لَا فِي نَفْسِ الْعِلَّةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ الشَّرْطُ ثَبَتَ حُكْمُ الْعِلَّةِ. وَرُبَّمَا عَبَّرُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يُبْطِلُ السَّبَبِيَّةَ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ حُكْمَهَا، وَالسَّبَبُ يَنْعَقِدُ وَلَكِنَّ الشَّرْطَ يَرْفَعُهُ وَيُؤَخِّرُ حُكْمَهُ فَإِذَا ارْتَفَعَ الشَّرْطُ عَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ، وَمِنْ ثَمَّ يَقُولُونَ: الصِّفَةُ وُقُوعٌ لَا إيقَاعٌ، وَالشَّرْطُ عِنْدَهُمْ قَاطِعُ طَرِيقٍ يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، إذْ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّأْثِيرِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَوَقُّفٌ عَنْ الْحُكْمِ. وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ طَلُقَتْ لِكَوْنِهِ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَا لِكَوْنِهَا دَخَلَتْ. قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ فَقَدْ نَجَزَ السَّبَبَ، وَالْمُعَلَّقُ إنَّمَا هُوَ عَمَلُ السَّبَبِ لَا نَفْسُهُ، وَقَدْ وَافَقَنَا عَلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الشَّرْطُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ فِي الْحَالِ وَخَرَّجَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجْهًا فِي مَذْهَبِنَا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ: إنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَطَلْقَتَانِ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُعَلَّقِ، وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الشَّرْطُ دَاخِلٌ عَلَى نَفْسِ الْعِلَّةِ لَا عَلَى حُكْمِهَا. قَالَ: وَالشَّرْطُ يَحُولُ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَمَحَلِّهَا. فَلَا تَصِيرُ عِلَّةً مَعَهُ. وَالظَّاهِرُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّأْثِيرِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ الْعِلِّيَّةَ. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ:

مِنْهَا: تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ عِنْدَنَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ عِنْدَنَا وَقْتَ التَّعْلِيقِ مَحَلًّا قَابِلًا لِمَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَمْنَعُ السَّبَبِيَّةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>