نَعَمْ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ مَرْدُودَةٌ فَإِنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ الْقَطَّانِ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا اخْتَارَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْأَحْكَامَ جَمِيعَهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْعِلَّةِ، إلَّا أَنَّ مِنْهَا مَا يَقِفُ عَلَى مَعْنَاهُ، وَمِنْهَا مَا لَا يَقِفُ، وَلَيْسَ إذَا خَفِيَتْ عَلَيْنَا الْعِلَّةُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِهَا، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا السَّعْيَ وَالِاضْطِبَاعَ لِعِلَّةٍ سَبَقَتْ فِي غَيْرِنَا. ثُمَّ قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْأَحْكَامِ تُعَلَّلُ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ لِعِلَّةٍ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ.
قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْوَاضِعَ حَكِيمٌ. وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي " فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ "، عَنْ كِتَابِ الْعِلَلِ فِي " الْأَحْكَامِ " لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّجَّاجِ تِلْمِيذِ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا: اخْتَلَفَ الْقَيَّاسُونَ فِي الْعِلَلِ، فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ بِنَفْيِ الْعِلَلِ، وَزَعَمُوا أَنَّ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا يَغْلِبُ فِي النَّفْسِ، لَا أَنَّ ثَمَّ لَهُ عِلَّةً تُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ لَهُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْعِلَلَ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ جَمِيعِهِمْ الْقِيَاسُ، فَقُلْنَا بِالتَّشْبِيهِ إذْ هُوَ مَنْقُولٌ عَنْهُمْ وَلَمْ يُعَلَّلْ بِالْعِلَلِ. قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ، فَقَالَ قَوْمٌ: مَا أَعْلَمَنَا اللَّهُ عِلَّتَهُ قُلْنَا: إنَّهُ لِعِلَّةٍ، وَمَا لَمْ يُعْلِمْنَا عِلَّتَهُ لَمْ نَقْطَعْ أَنَّهُ لِعِلَّةٍ بَلْ جَوَّزْنَا فِيهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْأَصَحُّ. انْتَهَى. وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ فِي " الْأَرْبَعِينَ ": اتَّفَقَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامَهُ مُعَلَّلَةٌ بِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَهُوَ عِنْدَنَا بَاطِلٌ.
إلَى آخِرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute