للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: الْحِكْمَةُ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ وَالْوَصْفُ وَسِيلَةٌ إلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِهَا.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً جَلِيَّةً:

وَإِلَّا لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِهَا فِي الْفَرْعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ أَخْفَى مِنْهُ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهُ فِي الْخَفَاءِ، ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ فِي جَدَلِهِ ". وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَصْلِ أَظْهَرَ مِنْهَا فِي الْفَرْعِ، وَقَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ: " الْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ " يَقْتَضِي اسْتِوَاءَ حَالِهِمَا فِي الْمَحَلَّيْنِ، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ نَصْبُهُ أَمَارَةً، لِأَنَّ مَقْصُودَ التَّعْرِيفِ يَحْصُلُ مِنْهُ. كَمَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ خَفِيًّا أَوْ لَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّضَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْعَمْدِيَّةُ عِلَّةٌ فِي الْقِصَاصِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْخَفَاءَ بِمَا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَمَثَّلُوهُ بِالرِّضَا فِي الْعُقُودِ وَالْعَمْدِيَّةِ فِي الْقِصَاصِ، وَاسْتَشْكَلَ لِأَنَّهُمْ إنْ عَنَوْا بِكَوْنِهِ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَّا الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَلَا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ نَصْبُهُ أَمَارَةً بِنَفْسِهِ وَلَا مَظِنَّةَ، وَإِنْ عَنَوْا بِهِ أَنَّهُ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَيُمْكِنُ [أَنْ] يُوقَفَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْإِشْكَالُ خَفِيًّا، لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>