الْقَدَرِيَّةِ وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ عِلَّةِ الْإِقْدَامِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا، وَبَيْنَ عِلَّةِ تَرْكِ الْفِعْلِ فَلَا يَجُوزُ، بَلْ يَكُونُ عِلَّةً لِتَرْكِهِ وَاجْتِنَابِهِ أَيْنَ وُجِدَتْ. قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ خُرُوجٌ عَنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَرُبَّمَا عُزِيَ لِقُدَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ ابْنُ فُورَكٍ: وَلِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ طَرِيقَةٌ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَالْعُمُومِ فَيَقُولُ: إنَّ تَخْصِيصَهَا سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا يَمْتَنِعُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا إذَا اقْتَرَنَتْ بِهِمَا قَرِينَةٌ فَيُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ نَقْضًا، وَالنَّقْضُ أَنْ يُقَالَ: كَانَتْ مُطْلَقَةً فَقُيِّدَتْ الْآنَ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ مَا قَالَهُ الْخَصْمُ تَخْصِيصًا مِنْ عِلَلِ السَّمْعِ، بَلْ تَبَيَّنَ بِالْقَرِينَةِ، أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الِابْتِدَاءِ مُقَيَّدَةً. ثُمَّ الْكَلَامُ فِي تَحْرِيرِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْغَزَالِيَّ ذَكَرَ فِي " شِفَاءِ الْعَلِيلِ " أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ التَّصْرِيحُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَوْ مَنْعُهُ، وَنَقَلَ الدَّبُوسِيُّ تَعْلِيلَاتٍ عَنْهُمَا مَنْقُوضَةً. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهَا التَّخْصِيصَ. انْتَهَى.
وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ " الْأَعْلَامِ " أَنَّ الْمُجَوِّزِينَ قَاسُوا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: " الْقِيَاسُ كَذَا لَوْلَا الْأَثَرُ " وَ " النَّظَرُ كَذَا لَوْلَا الْخَبَرُ "، وَكَذَا أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: " الْقِيَاسُ كَذَا إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ "، وَلَوْلَا الْأَثَرُ لَكَانَ الْقِيَاسُ كَذَا. فَلَوْ كَانُوا يُبْطِلُونَ الْأَصْلَ الَّذِي جَرَى الْقِيَاسُ فِيهِ لَمَا وَجَدُوا الْأَثَرَ فِي الْعَيْنِ الَّتِي جَاءَ الْأَثَرُ فِيهَا، انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": نَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ التَّخْصِيصِ مُطْلَقًا، وَحَكَى عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا. وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْهُ. وَأَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْقَوْلَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: إنَّمَا يَتْرُكُ بَعْضُ أَسْلَافِنَا الْحُكْمَ بِعِلَّةٍ لِأَجْلِ عِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ أَوْلَى مِنْهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute