الطُّعْمِ، أَوْ عَدَمِيَّيْنِ، كَعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الرِّضَا، وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا نِزَاعَ فِيهِمَا. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَنْ يَجْعَلُ الْعِلَّةَ ثُبُوتِيَّةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَوِّزَ قِيَاسَهَا بِالْعَدَمِ، سَوَاءٌ كَانَ عِلَّةُ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيَّ أَوْ الْعَدَمِيَّ. وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ ثُبُوتِيَّةً وَالْحُكْمُ عَدَمِيًّا، كَعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِثُبُوتِ الدَّيْنِ وَهَذَا الْقِسْمُ تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ " تَعْلِيلًا بِالْمَانِعِ " وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ مِنْ شَرْطِ وُجُودِ الْمُقْتَضَى أَمْ لَا؟ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ عَدَمِيَّةً وَالْحُكْمُ ثُبُوتِيًّا، كَاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ الْفَسْخِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ، وَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْجَوَازِ. انْتَهَى وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ " التَّنْقِيحِ " وَالْإِمَامُ فِي " الْمَعَالِمِ " وَاخْتَارَ فِي " الْمَحْصُولِ " الْجَوَازَ وَقَالَ فِي " الرِّسَالَةِ الْبَهَائِيَّةِ ": إنْ كَانَ الْوَصْفُ ضَابِطًا لِحِكْمَةِ مَصْلَحَةٍ يَلْزَمُ حُصُولُ الْمَفْسَدَةِ عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا كَانَ عَدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفِ ضَابِطًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَدَمُ مُنَاسِبًا لِلْحُرْمَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّفْيَ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ وَلَا لِلنَّفْيِ، لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَفْرُوضَ عِلَّتُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ بِاتِّفَاقٍ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا مُضَافًا إلَى أَمْرٍ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ إنْ كَانَ مَنْشَأَ مَصْلَحَةٍ اسْتَحَالَ أَنْ يُعَلَّلَ بِنَفْيِهِ حُكْمٌ ثُبُوتِيٌّ، إذْ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ لَا يَكُونُ عِلَّةً فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ مَنْشَأَ مَفْسَدَةٍ فَهُوَ مَانِعٌ، وَنَفْيُ الْمَانِعِ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِمَعْنَى " الْمُعَرِّفِ " جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَدَمُ عِلَّةً لِلْوُجُودِ. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ جَمِيعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ أَمْرًا عَدَمِيًّا، بِدَلِيلِ أَنَّ وُجُودَ الضِّدِّ فِي الْمَحَلِّ يَقْتَضِي عَدَمَ الضِّدِّ الْآخَرِ فِي الْمَحَلِّ، فَقَدْ صَارَ الْعَدَمُ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أَجْزَائِهَا عَدَمِيًّا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْعَدَمِ الصِّرْفِ عِلَّةً لِلْأَمْرِ الْوُجُودِيِّ وَالْعِلْمِ بِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ هُوَ الْمَعْنَى الْمَوْجُودُ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ عَدَمِيًّا، لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَوْجُودَةِ وَالْعِلْمُ بِهِ ضَرُورِيٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute