النِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ، وَجَوَّزُوا التَّعْلِيلَ بِهَا وَقَالُوا: لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وُجُودِيًّا، بَلْ مِنْ شُرُوطِهَا أَلَّا تَكُونَ عَدَمِيَّةً، ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ أَمْرًا وُجُودِيًّا، وَتَارَةً تَكُونُ أَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ قَبِيلِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ. وَبِهِ يَظْهَرُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِمْ: " أَنْ لَا يَكُونَ عَدَمِيًّا " وَلَمْ يَقُولُوا: " أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا ". وَمِثَالُهُ قَوْلُنَا: الْبُنُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُبُوَّةِ، وَهَذَا عِلَّةُ الْمِيرَاثِ وَهُمَا إضَافِيَّانِ ذِهْنِيَّانِ لَا وُجُودَ لَهُمَا فِي الْأَعْيَانِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّعْلِيلِ بِهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَالْحَقُّ ابْتِنَاءُ هَذَا الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْإِضَافِيَّاتِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ أَوْ الْوُجُودِيَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا: عَدَمِيَّةٌ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْعَدَمِيِّ، وَإِنْ قُلْنَا: وُجُودِيَّةٌ فَهِيَ كَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ فَهُوَ عِلَّةٌ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ.
الثَّانِي: الْوَصْفُ التَّقْدِيرِيُّ هُوَ كَالْعَدَمِيِّ، لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ لَهُ وُجُودٌ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَدَمِيًّا تَعْلِيلُ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِمُعْتَقٍ عَنْهُ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ، وَتَوْرِيثُ الدِّيَةِ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمَقْتُولِ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي الزَّمَنِ الْفَرْدِ، فَإِنَّهُ حَيٌّ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَمَا لَا يَمْلِكُ لَا يُورَثُ عَنْهُ، وَالْمِلْكُ بَعْدَ الْمَوْتِ مُحَالٌ، فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْمِلْكِ قَبْلَ الزُّهُوقِ. وَالْخِلَافُ فِيهِ أَضْعَفُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَدَمِيِّ.
تَنْبِيهٌ
امْتِنَاعُ الشَّيْءِ مَتَى دَارَ اسْتِنَادُهُ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضَى أَوْ وُجُودِ الْمَانِعِ، كَانَ اسْتِنَادُهُ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضَى أَوْلَى، لِأَنَّا لَوْ أَسْنَدْنَاهُ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ لَكَانَ الْمُقْتَضَى قَدْ وُجِدَ وَتَخَلَّفَ أَثَرُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَهَذَا كَتَعْلِيلِهِمْ عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِ الصَّبِيِّ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِالصِّبَا. وَفِيهِ الْخِلَافُ فِي تَعْلِيلِهِمْ مَنْعَ إطْلَاقِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute