(أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّ الْعِلَّةِ التَّأْثِيرُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ بَعْضَ الْأَوْصَافِ دُونَ بَعْضٍ، فَتَعْلِيلُهُ بِجَمِيعِهَا لَا يَصِحُّ فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّ جَمِيعَهَا مُؤَثِّرَةٌ جَازَ. و (الثَّانِي) يَصِحُّ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا.
مَسْأَلَةٌ
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا - كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ - فِي الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ إذَا احْتَاجَتْ إلَى تَقْدِيمِ أَسْبَابٍ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْأَسْبَابِ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ كَالزِّنَى الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ بِشَرْطِ وُجُودِ الْإِحْصَانِ، وَتَكْمِيلِ جَلْدِ الزِّنَى مِائَةً بِشَرْطِ وُجُودِ الْحُرِّيَّةِ. فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: يَكُونُ مَجْمُوعُ تِلْكَ الْأَوْصَافِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، لِسُقُوطِهِ عِنْدَ عَدَمِ بَعْضِهَا كَمَا يَسْقُطُ عِنْدَ عَدَمِ جَمِيعِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِلَّةُ هِيَ الْوَصْفُ الْجَالِبُ لِلْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا فَعِلَّةُ الرَّجْمِ وَتَكْمِيلِ الْحَدِّ وُجُودُ الزِّنَى دُونَ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِحْصَانِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الرَّأْيِ. وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَى وَشَهِدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ بِالْحُرِّيَّةِ أَوْ بِالْإِحْصَانِ، وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّ الضَّمَانَ عَلَى شُهُودِ الزِّنَى دُونَ شُهُودِ الْإِحْصَانِ، وَقَالُوا فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَمْسِ، فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ كَانَ قَدْ جَنَى أَوَّلَ أَمْسِ، وَأَنَّ الْوَلِيَّ عَلِمَ بِالْجِنَايَةِ، فَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي الدِّيَةَ وَجَعَلَهُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ كُلُّهُمْ، إنَّ ضَمَانَ الدِّيَةِ عَلَى شُهُودِ الْجِنَايَةِ وَضَمَانَ الْقِيمَةِ عَلَى شُهُودِ الْعِتْقِ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَلْزَمَهُ الدِّيَةَ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلدِّيَةِ أَكْثَرَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ: إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى وَشَاهِدَانِ بِالْإِحْصَانِ فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute