مَسْأَلَةٌ
قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَصْفَيْنِ وَوُجِدَا عَلَى التَّعَاقُبِ، أَوْ شَرَطَ ذُو وَصْفَيْنِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْحُكْمُ مَنْسُوبٌ إلَى آخِرِ الْوَصْفَيْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرْطِ آخِرُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَثَرِ، وَيَرْجِعُ الْآخَرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعْقُبُ الْحُكْمَ. وَبَنَوْا عَلَى هَذَا مَسَائِلَ، مِنْهَا: شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وُجُودًا، فَصَارَ الشِّرَاءُ مُعْتِقًا. وَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَ جَمَاعَةٌ فِي سَفِينَةٍ شَيْئًا فَغَرِقَتْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى آخِرِهِمْ وَضْعًا، وَكَذَلِكَ شُرْبُ الْمُثَلَّثِ حَرَامٌ إلَى حَالَةِ السُّكْرِ، ثُمَّ إذَا أَسْكَرَ الْقَدَحُ الْعَاشِرُ كَانَ هُوَ الْحَرَامُ لَا غَيْرُهُ، وَإِنْ حَصَلَ السُّكْرُ بِشُرْبِ الْجَمِيعِ، لَكِنَّ هَذَا آخِرُهَا وُجُودًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُضَافُ إلَى آخِرِهَا بَلْ إلَيْهِمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جُزْءَا عِلَّةٍ. قُلْت: وَالْخِلَافُ عِنْدَنَا أَيْضًا فِيمَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي دَفَعَاتٍ هَلْ يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِالطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَحْدَهَا بِمَجْمُوعِ الثَّلَاثِ؟ وَجْهَانِ، وَفَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ شَهِدُوا بِالثَّالِثَةِ ثُمَّ رَجَعُوا هَلْ يَكُونُ الْغُرْمُ بِجُمْلَتِهِ عَلَيْهِمْ أَوْ ثُلُثُهُ فَقَطْ.
تَنْقَسِمُ الْعِلَّةُ إلَى مَا يُفِيدُ الْأَثَرَ فِي الْحَالِ، كَإِفْضَاءِ الْكَسْرِ إلَى الِانْكِسَارِ، وَالْحَرْقِ إلَى الْإِحْرَاقِ، وَإِلَى مَا يُفِيدُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ، كَاقْتِضَاءِ الزِّرَاعَةِ وَالْغِرَاسَةِ حُصُولَ الْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ، وَكَإِفْضَاءِ الطَّلَاقِ [إلَى] حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ الْعِلَّةُ تَارَةً تُفِيدُ الْمَعْلُولَ بِلَا شَرْطٍ وَهُوَ كَثِيرٌ، وَتَارَةً لَا تُفِيدُهُ إلَّا مَعَ الشَّرْطِ كَإِفْضَاءِ التَّعْلِيقِ [إلَى] وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَلَكِنَّ السَّابِقَ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَكُونُ عِلَّةً إلَّا لِلْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْأَثَرُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ مِنْهَا مَا يُفِيدُ الْمَعْلُولَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَسْرِ مَعَ الِانْكِسَارِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute