وَتَارَةً لَا يُفِيدُهُ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، كَاقْتِضَاءِ قَطْعِ الْيَدِ الزُّهُوقَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي السِّرَايَةِ، ثُمَّ تُفِيدُ السِّرَايَةَ أَثَرًا آخَرَ، أَوْ آثَارًا يَنْشَأُ مِنْهَا زُهُوقُ الرُّوحِ، وَمَتَى بَطَلَتْ تِلْكَ الْوَاسِطَةُ بَطَلَ اقْتِضَاءُ الْعِلَّةِ الْمَعْلُولَ مِنْ حَيْثُ التَّحْقِيقُ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَسْتَدِلُّ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى عَلَى الْمَعْلُولِ الثَّانِي وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ انْتِفَاءُ الْوَاسِطَةِ، قَالَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ: وَهُوَ خَطَأٌ يَأْبَاهُ الْعَقْلُ (قَالَ) وَكَانَ شَيْخُنَا رُكْنُ الدِّينِ الطَّاوُسِيُّ يَقُولُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخْبَرَنَا وَسَطَ النَّهَارِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي مَوْضِعٍ عَلَّقَ رَجُلٌ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ آخَرُ: يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ هُنَا، لِأَنَّ إخْبَارَ الرَّجُلِ اقْتَضَى غُرُوبَ الشَّمْسِ، وَغُرُوبُ الشَّمْسِ مُسْتَلْزِمٌ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ بِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ اقْتِضَاءَ الْإِخْبَارِ الْوُقُوعَ إنَّمَا كَانَ بِوَاسِطَةِ ثُبُوتِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ، فَلَمَّا بَطَلَتْ الْوَاسِطَةُ بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ.
مَسْأَلَةٌ
الْعِلَّةُ تَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(أَحَدُهَا) مَا يَكُونُ عِلَّةً لِاقْتِضَاءِ الْحُكْمِ وَاسْتِدَامَتِهِ كَالرَّضَاعِ فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ، وَكَالْإِيمَانِ وَعَدَمِ الْمِلْكِ فِي الْمَنْكُوحَةِ. (الثَّانِي) مَا تَكُونُ عِلَّةً لِلِابْتِدَاءِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ، كَالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ هُمَا عِلَّتَانِ فِي مَنْعِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ، وَكَعَدِمِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ وَعَدَمِ الْإِحْرَامِ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ أَحْكَامِ الْعِلَلِ ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، مِنْهُمْ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ وَإِلْكِيَا وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَاهُ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْقَوْلَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute