أَحَدُهَا: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، مَنْصُوصَةً وَمُسْتَنْبَطَةً، وَبِهِ جَزَمَ الصَّيْرَفِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ مَذْهَبِهِمَا. قَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيرُ الْعُمُومِ فِي نَفْيِ الْإِجْزَاءِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْعُمُومِ الشَّرْعِيِّ وَالْحِسِّيِّ جَمِيعًا، فَإِنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْعِيِّ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحِسِّيِّ لَا مَحَالَةَ، فَلَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيرُ اجْتِمَاعِهِمَا.
وَالثَّانِي: الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا نَقُولُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَلَ عَلَامَاتٌ وَأَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ، لَا مُوجِبَةٌ لَهَا، فَلَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ. هَذَا لَفْظُهُ، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ: إنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ: كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأُمِّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ مُصَرِّحٌ بِجَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ عُمَرَ: نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ.
وَتَقْدِيرُهُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ لِإِجْلَالِهِ لِذَاتِهِ وَتَعْظِيمِهِ، فَكَيْفَ وَهُوَ يَخَافُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ عَدَمُ عِصْيَانِهِ مُعَلَّلًا بِالْخَوْفِ وَالْإِجْلَالِ وَالْإِعْظَامِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ مُعَلَّلًا بِعِلَّتَيْنِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةٌ فِي التَّعْلِيلِ وَيُقْصَرُ عَلَى إحْدَاهُمَا لِنُكْتَةٍ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠] نَهَاهُمْ عَنْ أَكْلِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ النُّفُوسَ لَا تَنْفِرُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ تَحْرِيمُ الضِّعْفِ كَتَحْرِيمِهِ مُضَاعَفًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قُبَيْلَ مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ ": " إذَا شُرِطَ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ السَّقْيُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَالْمَبِيعُ فَاسِدٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا أَبْطَلْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ " انْتَهَى فَالْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ مَوْجُودٌ مَعَ الْجَهَالَةِ وَعَدَلَ عَنْ التَّعْلِيلِ بِهَا فِي الْحَالَتَيْنِ، لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لِلْبُطْلَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute