أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي كُلِّ فَنٍّ بِحَسَبِهِ فَلَا تَظُنُّهُ تَنَاقُضًا.
وَالرَّابِعُ: عَكْسُهُ. حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ الْمُنِيرِ فِي شَرْحِهِ لِلْبُرْهَانِ وَقَدْ اُسْتُغْرِبَتْ حِكَايَتُهُ، وَسَيَأْتِي لَهُ نَظِيرٌ فِي النَّقْضِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ: إنْ لَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا عِلَّةَ حُكْمِ الْأَصْلِ جَازَ، كَاسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ لِلرِّدَّةِ وَالْقِصَاصِ، وَفَسَادِ الصَّلَاةِ لِلْحَدَثِ وَالْكَلَامِ إذَا وُجِدَا مَعًا. وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا دَلِيلًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَاسَ بِهَا عَلَى أَصْلٍ آخَرَ فَهِيَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ.
وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ فِي شَرْحِهِ: إنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ لَكَانَتْ صَحِيحَةً فَاجْتِمَاعُهُمَا غَيْرُ مُضِرٍّ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ الْإِيرَادُ يُبَيِّنُ جَانِبَ التَّعْلِيلِ وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ يَقَعُ الشَّكُّ فِي النَّفْسِ، فَيَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ لَا لِضِيقِ الْمَحَلِّ عَنْ الْعِلَلِ، فَأَمَّا الْعِلَلُ الْمُؤَثِّرَةُ فَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا، وَأَمَّا الْمَعْنَى الْمُلَائِمُ فَيَنْبَنِي عَلَى قَبُولِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُرْسَلِ: فَمَنْ رَدَّهُ كَانَ تَعَدُّدُ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ مُخِلًّا بِالشَّهَادَةِ، وَمِنْ قَبْلِهِ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ حُكْمٌ عَلَى وَفْقِهِ، فَكَيْفَ إذَا وَرَدَ عَلَى الْوَفْقِ.
وَقَالَ ابْنُ رَحَّالٍ السَّكَنْدَرِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْخِلَافُ، فَإِنَّ لَفْظَ التَّعْلِيلِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَرَادَ مَعْنًى غَيْرَ مَا أَرَادَ الْآخَرُ فَلَا خِلَافَ. قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالتَّعْلِيلِ نَصْبُ الْأَمَارَةِ فَهُوَ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّعْلِيلِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لِأَجْلِ الْوَصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute