فَهُوَ جَائِزٌ فِي صُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَيْثُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صُورَةٍ لِعِلَّةٍ، فَأَمَّا ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ بِعِلَلٍ كُلٌّ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ فِيهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ. انْتَهَى.
التَّفْرِيعُ
إنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْوُقُوعِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّهُ جَائِزٌ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ الْعَقْلِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَقْلًا وَتَسْوِيغًا وَنَظَرًا إلَى الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَمْتَنِعُ شَرْعًا. وَجَرَى عَلَيْهِ إلْكِيَا وَقَالَ: إنَّ الْمَانِعَ لَهُ اسْتِقْرَاءُ عُرْفِ الشَّرْعِ لَا الْعَقْلِ، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ: إنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ الْإِمَامِ - أَخِيرًا هُوَ الْمَنْعُ يَعْنِي كَمَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ وَحَكَى الْهِنْدِيُّ قَوْلًا عَكْسَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ فَقَالَ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: يَجُوزُ عَقْلًا وَلَمْ يَقَعْ سَمْعًا، وَقِيلَ بِعَكْسِهِ. وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ بِوُقُوعِهِ إنْ دَلَّ عَلَيْهِ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ وَإِلَّا فَلَا لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَلَا يَحْكُمُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ.
وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَلَوْ اجْتَمَعَتْ كَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ قَوْمٌ: كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءُ عِلَّةٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ حَذَرًا مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إذَا جَعَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَأَغْرَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَحَكَى هَذَا الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ. وَالْمَعْرُوفُ اتِّفَاقُ الْمُجَوِّزِينَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عِلَّةٌ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ. نَعَمْ، قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: اتَّفَقُوا عِنْدَ التَّرْتِيبِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مُسْتَنِدٌ إلَى الْأُولَى فَقَطْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا وَقَعَتْ دَفْعَةً، وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ - وَهُوَ مِنْ الْمَانِعِينَ - إنْ قِيلَ: لَوْ وُجِدَتْ الْعِلَّتَانِ فِي حُكْمٍ فَمَاذَا يَعْمَلُ؟ قِيلَ: لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا عِلَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute